عيد الأضحى أو “العيد الكبير” كما يصطلح عليه بالمغرب، مناسبة سنوية راسخة في وجدان المغاربة بمقدار تعلقهم بإحياء السنة النبوية الشريفة. و قد أفرزت التحولات التي عرفها المجتمع المغربي تمظهرات جديدة في أشكال الإحتفال بهذا العيد تكيفا مع هذه التحولات.
و لعل من أبرز هذه التغيرات، ولوج المرأة لسوق الشغل، و التحولات التي طالت سلوك الأفراد في علاقتها بنمط العيش و السكن و التطور الحاصل في مناحي الحياة كلها، و ما رافق ذلك من تغيرات في تصوراتهم للحياة و المجتمع و الدين، مما إنعكس على ممارساتهم للشعائر الدينية.
و إلى جانب هذه التحولات المجتمعية، تستأثر الإكراهات الإقتصادية بحظ وفير في جعل “العيد الكبير” هاجسا مقلقا للعديد من الأسر، لاسيما الهشة منها، في ظل الغلاء الناجم عن عوامل متعددة، إرتبط بعضها بتداعيات ما بعد جائحة كورونا و الجفاف و غير ذلك.
و تشير بعض إستطلاعات الرأي إلى أن العديد من المغاربة يواجهون إكراهات اجتماعية تلقي بهم في متاهات الإقتراض و التضييق على النفس من أجل توفير ثمن أضحية العيد، حيث يعتمد بعضهم على الدعم العائلي، أو على منحة المشغل، في حين يوفر آخرون المبلغ عبر القروض.
فهل تحول عيد الأضحى من طقس ديني إلى طقس إجتماعي ؟ سؤال يطرح نفسه في سياق هذه التحولات، تجيب عنه الأخصائية في علم النفس الإجتماعي بشرى المرابطي، في حديث للصحافة، بكون عيد الأضحى كمناسبة دينية بطقوس إجتماعية، شأنه شأن كل الشعائر الدينية سواء في الدين الإسلامي أو في غيره من الديانات، حيث يخلق هذا اللبوس الإجتماعي أنماطا من السلوكات و التعاملات بأبعاد متعددة تمتد إلى ما هو إقتصادي، بما تحدثه من رواج في الأسواق تنتعش منه العديد من الأسر.
و لم يفت الأخصائية الإشارة إلى أن الإحتفال بعيد الأضحى في بعض المناطق، خاصة البوادي، يكشف عن طقوس و إحتفالات متجذرة يتقاسمها المجتمع المغربي مع شعوب أخرى كالطواف بالأقنعة و الموكب و وجود شخصية مركزية تدعى بوجلود أو هرمة أو بويلماون أو بوسليخن، حيث تختلف التسمية من منطقة جغرافية إلى أخرى، و التي بدأت تتوارى في المجتمع إلا من بعض المدن الصغرى أو البوادي.
كما أن “العطلة الكبرى” بالنسبة للحرفيين و الصناع و التجار و الموظفين في العديد من القطاعات، و في المهجر أيضا، تتزامن مع فترة “العيد الكبير” ، تضيف المرابطي، حيث تتعطل الحركة لأزيد من 15 يوما، و يحتفل بهذه المناسبة في تجمعات عائلية و بشكل جماعي.
و أضافت المتحدثة أنه إلى عهد قريب، كان عيد الأضحى محطة تتمظهر فيها تمثلات المجتمع لهذه المناسبة باعتبارها محطة لإثبات معاني الجود و الإنفاق، إذ كلما كانت الذبيحة كبيرة و متعددة، إلا و نعتت دار صاحبها ب”الدار الكبيرة”.
كما أن المرأة، تتابع المتحدثة، كانت لها شروط و مواصفات محددة في الأضحية، و هو الأمر الذي بدأ يقل مع الزمن مع تطور المجتمع، مما جعل العديد من الفئات، بحكم التعليم و الوعي الديني و الثقافي، و بحكم إيقاع الحياة و نمط السكن و غيرها من العوامل، تعيد النظر في تعاملها مع عيد الأضحى و تتخذ أشكالا جديدة للإحتفال به.
و أشارت إلى أنه بالرغم من الجهود التي يبذلها العلماء في تعزيز الوعي الديني و التعريف بأحكام الشرع من هذه الشعيرة، يتعين بذل المزيد من الجهود من أجل تبيان الحكم الشرعي لهذه الشعيرة بإعتبارها سنة مؤكدة مقرونة بالإستطاعة.
و بخصوص أشكال الإحتفال الجديدة بعيد الأضحى الآخذة في الإتساع رويدا رويدا في نسيج المجتمع، كإقامة الشعيرة في الفنادق التي تقدم لنزلائها هذه الخدمة، و بعض الفضاءات الأخرى كالضيعات و غيرها، تقرأ الأخصائية “بإيجابية كبيرة جدا هذا التحول بالنظر إلى التغيرات البنيوية التي وقعت في المجتمع المغربي و التي تدفع الإنسان لإحداث مجموعة من التغييرات في إختياراته، و هذا تطور طبيعي، كما هو الشأن في العديد من البلدان”.
و شددت على أن العديد من الناس يمارسون هذه الشعيرة الدينية بطريقة مختلفة لأسباب صحية أو لظروف خاصة، و يفضلون التصدق بأضحية العيد إلى المحتاجين مباشرة أو عبر جمعيات.
و أكدت الأخصائية من جهة أخرى، على أن هناك إقبالا متزايدا على ذبح الأضاحي في مجازر البلدية، و هو الأمر الذي ينبغي تيسيره كما يجري به العمل في ديار المهجر بالنسبة لمسلمي العالم، لأنه يسمح بإقامة هذه الشعيرة وفق شروط صحية.
كما أن خيار الإحتفال بعيد الأضحى في الفنادق أو الضيعات يعد وسيلة لتخفيف العبء عن الأسرة و قضاء يوم العيد بأريحية كبيرة و خلق أجواء السعادة لجميع أفرادها مقارنة مع الذبيحة في البيت التي “تعتبر في الحقيقة متعبة، خاصة بالنسبة للنساء” تضيف المتحدثة.
بالرغم من التحولات التي طالت النسيج الإجتماعي المغربي، و ما رافقها من أشكال مستجدة للإحتفال بعيد الأضحى، فإنه يظل مناسبة لصلة الرحم، و توثيق الروابط العائلية و تعزيز قيم التضامن و الحفاظ على التقاليد المغربية الأصيلة.