تُعد تصريحات تلاميذ البكالوريا خلال فترة الإمتحانات مادة خصبة للنقاش الإجتماعي و النفسي، حيث تتراوح بين الفكاهة و التهكم، مما يثير تساؤلات حول دلالاتها النفسية و الإجتماعية.
في هذا السياق، قدم الخبير النفسي عادل الحسني تفسيرًا لهذه الظاهرة، مشيرًا إلى أنها تعكس دفاعات
نفسية و آليات مواجهة للتوتر، بالإضافة إلى شعور بالاغتراب التربوي.
آليات الدفاع النفسي : التهكم كوسيلة للتخفيف من القلق
أوضح الحسني أن التهكم يُعد من أبرز آليات الدفاع النفسي، و تحديدًا “الإنكار”، حيث يحاول التلميذ من خلال اللغة الساخرة إخفاء قلقه و هشاشته إتجاه إحتمال الفشل، هربًا من الشعور بالإنكسار أمام الذات و الآخرين.
و يُعتبر هذا السلوك محاولة للتخفيف من وطأة التوتر النفسي المرتبط بالإمتحانات.
الإغتراب التربوي : شعور بالعزلة و فقدان المعنى
من زاوية تحليل إجتماعي نفسي أعمق، إستحضر الحسني مفهوم الإغتراب كما طوّره كل من ماركس و ديفيد ريسمان، مشيرًا إلى أن التلميذ غالبًا ما يشعر بأنه يُقحم في مسار مفروض، يُطلب منه النجاح ضمن معايير لم يكن جزءًا من صياغتها، مما يفتح الباب أمام سؤال وجودي مبكر : “علاش كنقرا ؟ و فين غادي بيّا هاد الشي؟” هذا الشعور بالإغتراب لا يقتصر على التلميذ فقط، بل يمتد إلى الأسرة و المجتمع، حيث يُلاحظ تباين في التوقعات و الضغوط المفروضة على التلاميذ، مما يؤدي إلى شعور بالعزلة و فقدان المعنى في العملية التعليمية.
الإصغاء المزدوج: فهم ما بين السطور
أكد الحسني على أهمية “الإصغاء المزدوج”، أي الإستماع ليس فقط لما يُقال صراحة، بل أيضًا لما يُخفى بين السطور — الخوف، الحيرة، غياب التوجيه، و الشعور بفقدان المعنى في الإمتحان كمقياس حقيقي للقدرة أو القيمة.
هذا النهج يتطلب من الأسرة و المدرسة و الإعلام التعاون لبناء جيل قادر على مواجهة تحديات الحاضر و المستقبل مع الحفاظ على كرامة التلاميذ و حقوقهم الأساسية في بيئة تربوية سليمة و آمنة.
إن تصريحات تلاميذ البكالوريا ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي إنعكاس لصراعات نفسية و إجتماعية عميقة. فهم هذه التصريحات يتطلب منا النظر إلى ما وراء الكلمات، و الإستماع إلى ما يُخفى بين السطور، و العمل معًا من أجل توفير بيئة تعليمية تدعم الصحة النفسية و تُعزز من قدرة التلاميذ على مواجهة تحدياتهم بثقة و أمان.