مُبايعة القبائل الجزائرية للسلطان العلوي مولاي عبد الرحمان بن هشام  (1822 -1859 )

0

عَبْر التاريخ  بما أنه علم  الحوادث والوقائع المقيدة  بالزمن  لم ترضى  أبدا   قبائل الجزائر  وخاصة  أهل تلمسان  لا بحكم  الأتراك ولا الفرنسيين  الغزاة من بعدهم  ، فكان ميلهم الطبيعي و الروحي  العقدي  لسلاطين المغرب  باعتبارهم من آل بيت النبوة  من بني هاشم.

فبعد الفراغ الكبير الذي تركه الأتراك ذوي االسلطة الدنيوية   في تسيير دفة الحكم في الجزائر ، وانعدام  ” السراة ”  بمعنى من يقود البلاد بعد أن  كادت أن تصبح في كف عفريت  كان ذلك  وقت ضعف الدولة العثمانية وتولي  أيام  سلطانها  “الفرماني   وانفراط عقدها  الزماني ”   من  كل  الأيالات  التي كانت تحت  سيطرة  السلطان   الدنيوي  االعثماني …

عند هذا المنعطف الخطير بما استفحل من  انعدام  الأمن  والأمان في كل مكان  الشيء  الذي ينذر بوقوع  حرب أهلية ،  ومع  هجوم  الغزاة  الفرنسيين  بعدتهم وعتادهم الحربي   وأثناء هذا  الوضع الكارثي  و حسب ما يحكيه  المؤرخون  و حسب ما ورد  في مضمون  الرسائل  المتبادلة  بين السلطان وموفده إلى   أعيان تلمسان وعلمائها  هؤلاء   الذين   بدلوا   النصيحة  لقبائل الغرب الجزائري   إلى وجوب الإلتحام    وذلك   بمبايعة   السلطان الروحي   المولى عبد الرحمان بن هشام  والدخول تحت رايته لجهاد المستعمر

- الحدث بريس-

- الحدث بريس-

- الحدث بريس-

في ذلك الوقت بالذات  ولما يصلها من أخبار من سعي  سلطان  المغرب  لنجدة  أهل تلمسان  وغيرهم   شعرت  فرنسا  بخطر  اتحاد القبائل  الجزائرية  والمغربية  على الحدود  لأن ذلك منذر  بالزوال ..   فاستغلت الوضع  والالتفاف عليه قبل استعظامه  ثم عملت  وهذا موطن  بالكتابات  الفرنسية  بكل  دهاء وقوة  وتسخير للجواسيس  لبث التفرقة  رغبة في وضع اليد على كامل التراب   الجزائري

“فبدأت  في تنفيذ  خطط  التفرقة  فاحتلت   مدينة  الجزائر العاصمة أولا  باعتبارها  القلب النابظ  ، مما دفع قبائل  قبائل الغرب  الجزائري  إلى  المسارعة  بطلب الاحتماء بالسلطان المغربي مولاي عبد الرحمان (1822 -1859 )، خوفا من تنامي  الفتن والحروب القبلية ، وهو ما استجاب له المغاربة، لكن القوات الفرنسية تمكنت  في النهاية بالقوة العسكرية والدهاء  من بسط سيطرتها على كافة التراب الجزائري

السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام   والعمل  الحثيث لإنقاذ الجزائر من الغزاة الفرنسيين

يشير   كتاب “الحكومة المغربية واحتلال الجزائر أن  الخزانة العامة للحماية الفرنسية  بالمغرب   إقتنت سنة 1920   كمية من الرسائل الصادرة  عن السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام الذي تولى الحكم من سنة 1822 إلى سنة 1859  وردت فيها  بالخصوص الوقائع  التي عرفتها  الحدود المغربية الجزائرية
كان  السلطان الشريف قد وجه  هذه المراسلات ذات الطابع السري، إلى  موفده  ابن عمه “مولاي علي”  الذي حل بمدينة تلمسان  مع  أعوانه  الموظفين   بالمناصب  السامية
في هذه  الرسائل نتعرف   كيف تصرف  السلطان   مع  الأتراك ، وما موقفه    من احتلال  مدينة  الجزائر ومدينة وهران من قبل  الغزاة  الفرنسيين    كما توضح هذه الرسائل الظروف  والحقائق  والحيثيات التي لايعرفها  الكثيرون و التي أملت  على السلطان  إنقاذ الجزائر  من  المد الصليبي الإستعماري
دخلت  فرنسا الجزائر بقوة السلاح  وتم طرد  الاتراك منها،  حينها  أحست  باقي المناطق  الجزائرية بالضياع والتيه  و التهميش وأصبحت القبائل في حالة  فوضى ، بحيث أخذت تظهر  بوادر الصراعات  القبلية والعنصرية  القديمة التي تهدد بنشوب حرب أهلية، ولمواجهة هذه الفراغ  المهول  بتخلي  الأتراك   عنهم   وقت الشدة  –  بسبب  انقراض هالتهم الدنيوية  في  جل  المعمور –  …   مما   جعل  جل  القبائل  وخاصة  الكائنة  قرب  حدود الصحراء الشرقية   المغربية  بدافع الدين الإسلامي واللغة  والتاريخ  المشترك  إلى الميل العفوي  للشرفاء والزعماء المحليين  الذين يسيرون وفق الإنتماء و الولاء الديني والروحي لسلاطين المغرب لا إلى الولاء الدنيوي العثماني
ولذلك ”  سارع سكان مدينة  “تلمسان الأعداء التقليديين للأتراك ” إلى إعلان الاحتماء بالسلطان مولاي عبد الرحمان، صحبة القبائل التي التحقت بهم وتحالفت معهم، وهو ما استجاب له السلطان العلوي أبو الفضل  عبد الرحمان بن هشام   وطلب من ابن عمه  “مولاي علي”  التأهب  للذهاب إلى  مدينة  تلمسان ليستقر بها، وكلف قبل ذلك   القائد  “ادريس بن حمان الجراري ”  ليكون وسيطا بين الأمير مولاي علي والقبائل الموالية للسلطان وتتابعت المراسلات.

وأخيراً  بعد  مشاورات   أخبر  السلطان  موفده  ” ادريس بن حمان ”  أنه قبل ولاء أهل تلمسان غير أنه  أكد  عليه بوجوب تحرير رسالة من جانبه إلى باقي القبائل المحيطة التي لم تعلن ولاءها النهائي  للتعرف على نواياها، جاء في رسالة السلطان نصا :
“… قل لهم إنه .. لا رغبة له في هذا الأمر وقد قدم عليه أعيان تلمسان وبعض قبائلهم وذكروا أنكم معهم على كلمة واحدة، في الرغبة في الدخول في طاعته والطلب بحياطته وقد أجابهم بما طلبوا من ذلك طلبا لجمع كلمة المسلمين وحفظهم من أن يستفزهم العدو الكافر، ويفرق جماعتهم، وصونا لهم من الهرج والفتن وأنتم أولى من سعى في ذلك وقام به، فينبغي لكم أن ترغبوا فيه أكثر من غيركم، وقد عين ولد عمه الأرضي مولاي علي للتوجه لهذه النواحي وهو بصدد القدوم في محلة من جيشه قريبا، وهو من سلالة نبوية وينبغي لكم تقديم جماعة من أعيانكم لملاقاته عندنا تعظيما لقدره ورغبة في أمره، فإن لكم عنده من المنزلة والمزية فوق ما تظنون إن شاء الله”.

وهكذا تمهد  لمولاي علي  الطريق بعد حصول إجماع القبائل الإنضمام  لعهدة  السلطان وتمكن   من دخول تلمسان دخولا رسميا  ومعه  القبائل  ورؤساؤها الذين جاؤوا لاستقباله بعدما طرد المستعمر الفرنسي   جل الأتراك  من المدن  والثغور  الجزائرية  بقيت ” مدينة وهران ”  تحت إمرة  الباي العثماني عند ذلك  وجه  المولى عبد الرحمان  رسالة إلى ابن عمه  قائلا  لباي مدينة وهران.

” إن السلطان رحب ببيعة ساكنة مدينة تلمسان والقبائل التي أقدمت على ذلك، بتلقائية، من أجل أن يساعدها السلطان ويجنبها الاقتتال بين الاخوة، أما بخصوص السلطان العثماني الذي أشرتم إليه وباسمه تمارسون الحكم، فلم تعد لكم أي صفة لمباشرة ذلك، لقد كنتم فرعا من شجرة باشا الجزائر، وبما أن الشجرة قد سقطت فإن الفرع قد مات، وفيما إذا صدرت من سلطان الأتراك احتجاجا فإن العاهل المغربي أدرى وأعرف الناس بما يخاطبه به”.

هذا الباي  الذي كان  قد بلغ من العمر عتيا  ومريضا  وبدون أولاد، مما  جعل الفرنسيين الغزاة  لا يقيمون له  أدنى قيمة إذ لا تأثير له  ، وأما القبائل  الجزائرية   فلم يرضوا اتباع   الأدنى  و “يتسنون ”   منه  جدوة و انبعاثا  ، مما  رجح كفة  الاحتماء بالسلطان الشريف الهاشمي وهو ما أبانت عنه   قبائل بسكرة  بتوجيه وفد إلى الأمير المغربي بتلمسان، لتقديم الطاعة والولاء للسلطان مولاي عبد الرحمان لكن حلول  الغزاة  الفرنسيين بعدتهم  وعتادهم  وبث عملائهم وعيونهم   استقروا وا  بمدينة وهران، فغيرت الظروف و  الأوضاع،  فعمل  الغزاة   على تكسير  إيقاع  توحد القبائل الجزائربة   وانضمامها   للسلطان فتسلل  الوهن إلى داخل القبائل، و أفضى إلى فتور حماسها وضعف تلاحمها وكان ذلك بغية المستعمر الفرنسي ليحكم الخناق على الجزائر.

ولما انتهى لعلم  سلطان المغرب الخبر  اليقين  من الوضع  المهلهل طلب  ابن عمه  مولاي  علي بدعوة رؤساء و زعماء القبائل ويختار رجلا مؤهلا ليخاطبهم  وهذا نص الخطبة
“إن كنتم تحافظون على شروط البيعة وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم وتقاتلون على دين النبي عليه الصلاة والسلام، الذي هو دينكم وإن كنتم كذلك تدافعون عن شرفكم وحسبكم وأولادكم لتنالوا عز الدين وشرف الآخرة، فنحن من جملتكم وأمثالكم، نقاتل بدورنا في سبيل الله، ونقدم لكم العون والتأييد وإن كنتم لا تقاتلون في سبيل دينكم وإعلاء كلمة الله وترضون بالدخول تحت كنف الكفار وتمكنوهم من مصالحكم الدنيوية فمالنا ومالكم؟”

لم يهدأ للفرنسيين بال  لما علموا من الرغبة الأكيدة  لدى السلطان  المغربي في تدارك الجيران المهددين  باقتحام  الأجنبي  الذي لن يراعي فيهم حرمة ولا إلا ، ولاذمة ، فضغطوا  عليه بكل ثقلهم    زد  على ذلك ما وصله  من  وهن حادث  لدى  القبائل مما صعب عليه المهمة   مع  ترادف الأطماع  الأجنبية  تباعا  على المغرب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.