يثير إحتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد الإنتخابات الرئاسية الأمريكية قلق في أفريقيا بشأن مستقبل التعاون بين الطرفين، ما هي أبرز النقاط التي تثير مثل هذا القلق ؟
قبل إنسحاب الرئيس الأمريكي جو بايدن من سباق الرئاسة و تقدم نائبته كامالا هاريس لمنافسة الرئيس السابق و مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، كانت أفريقيا منقسمة بين من تفضل رئيسا للولايات المتحدة.الطالبة الغانية أبيجيل غريفت لا ترغب في فترة ثانية لترامب، قالت لـلصحافة في شهر يناير الماضي : “الرئيس جو بايدن هو الخيار الأفضل لهذا المنصب”، بعد أن تم إثبات إدانة ترامب بتشويه سمعة الكاتبة في مجلة إ. جين كارول.
و أشارت غريفت أيضًا إلى محاكمتي عزل ترامب، اللتين إنتهتا بتبرئته، كأسباب تدفعها لتفضيل فترة رئاسية أخرى لبايدن.أما صامويل أوفوسو، فعلى العكس، سيكون سعيدًا إذا أعيد إنتخاب ترامب. قال أوفوسو للصحافة : “بسبب رؤيته لأفريقيا”، مشيرًا إلى أن ترامب ساعد في مشاريع البنية التحتية و دعم العلاقات السياسية بين القارة الأفريقية و الولايات المتحدة خلال فترة رئاسته. و رأى أوفوسو أن بايدن “يركز فقط على أجندة مجتمع الميم”، واصفًا ذلك بأنه “ليس بالأمر الجيد لأفريقيا”.و قد سعت إدارة بايدن إلى تعزيز حقوق الأفراد الذين يُعرّفون بأنفسهم كمثليين أو مزدوجي التوجه الجنسي أو متحولين جنسياً أو غير ذلك في سياساتها للتعاون الإقتصادي و التنمية.
مخاوف من عودة ترامب
يقول إيتسي سيكانكو، أستاذ كبير في جامعة الإعلام و الفنون و الإتصال في أكرا، للصحافة : “يجب أن يكون لإفريقيا قلق من إحتمالية عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة”. و فيما يتعلق بالإيديولوجية الأساسية التي تقف وراء سياسات ترامب، قال سيكانكو : “هذا شخص يؤمن بالعزلة في كل النواحي. ينظر إلى الداخل بشكل أكبر”. و أوضح أن بايدن يتمتع بنظرة أكثر عالمية، مشيراً إلى أنه يدعم التعاون و الشراكة، بينما لا يفضل ترامب التعاون الدولي مع أفريقيا.كما أشار سيكانكو إلى إستخدام ترامب في عام 2018 لغة مهينة لوصف بعض أجزاء أفريقيا عند حديثه ضد الهجرة من تلك الدول، و هو ما تم تداوله على نطاق واسع. و أضاف سيكانكو : “لا يعامل القارة بالإحترام، و يقوض المبادئ الديمقراطية..فماذا تتوقعون ؟ ” و قال إنه، على عكس أسلافه الأربعة، لم يقم ترامب بزيارة القارة و لو لمرة واحدة خلال فترة رئاسته.
التراجع إلى الداخل
يعتقد سيكانكو أن الولايات المتحدة ستنسحب من الشؤون الدولية إذا إستعاد ترامب الرئاسة. و وافق بريال سينغ، المحلل من معهد الدراسات الأمنية في بريتوريا، على هذا الشعور، مشيرًا إلى أنه “إذا فاز ترامب في الإنتخابات القادمة، سنشهد نوعًا من العودة إلى تلك الفترة السابقة من السياسة الخارجية الأمريكية تحت إدارة ترامب، مما يؤدي إلى إضعاف النظام المتعدد الأطراف العالمي”.
و أضاف سينغ للصحافة : “لن يكون هذا مفيدًا للعديد من الدول الأفريقية التي تعتمد بشكل غير متناسب على عمل هذا النظام”. و مع ذلك، يرى المحلل السياسي الجنوب أفريقي دانيال سيلكي أن تركيز واشنطن على الجغرافيا الإستراتيجية و الجهود للإستثمار في أجزاء من القارة و تعزيز العلاقات الدبلوماسية في أفريقيا سيستمر، بغض النظر عمن سيفوز في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية.
المصالح الجيوستراتيجية
سيلكي يرى أنه على الرغم من خطاب ترامب الذي يركز على “أمريكا أولاً”، فإن العالم يتطلب من الولايات المتحدة إتخاذ إجراءات. و أوضح سيلكي أن التأثير المتزايد للصين و روسيا و دول أخرى سيجبر ترامب و إدارته على أن يكونوا أقل عزلة مما يعتقد كثيرون.
و بعد كل شيء، لا يزال لقانون النمو و الفرصة الأفريقي (AGOA) — و هو برنامج أطلقه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في عام 2000 و يتيح للبلدان المؤهلة من أفريقيا الوصول إلى الأسواق الأمريكية بدون رسوم جمركية — وزن كبير.
تتضمن قائمة منتجات AGOA المواد الخام و الأنسجة و الملابس. و قد تم تمديد الإتفاق التجاري حتى عام 2025، مما يمنح تخفيف الرسوم الجمركية على الواردات من أكثر من 30 دولة في أفريقيا جنوب الصحراء. و وفقًا لقاعدة بيانات التجارة العالمية التابعة للأمم المتحدة (UN Comtrade)، كانت الولايات المتحدة هي الوجهة الثانية الأكثر أهمية لصادرات السلع من جنوب أفريقيا في عام 2022 بعد الصين، حيث شكلت حوالي 9 بالمائة.
و من منظور أمني، جادل سيلكي بأن الولايات المتحدة تظل دعامة أساسية للعديد من الدول في مكافحة التمرد في العديد من البلدان الأفريقية، لا سيما في غرب و شرق أفريقيا. وفقًا لسيلكي، ستستمر المعركة من أجل النفوذ في أفريقيا، و حقوق استغلال المعادن و توسيع نطاق التكنولوجيا. و يضيف سيلكي : “إذا كان هناك دافع واحد لترامب ليكون أقل إنسحابًا (من الإهتمام بالشؤون الدولية) و يتعاون أكثر مع أفريقيا، فهو القوة المتزايدة للصين”.
متشدد في الهجرة و لكن متساهل في تغير المناخ
تشارلز مارتن – شيلدز، الباحث البارز من المعهد الألماني للتنمية و الإستدامة، قال أن القارة الأفريقية ذات أهمية جيوسياسية. و مع ذلك، أضاف أنه من غير المتوقع أن يقوم ترامب بتعزيز سياسته الخارجية و التنموية. و أخبر مارتن – شيلدز الصحافة أنه من المرجح أن يركز ترامب على السياسة المحلية و الهجرة، خاصة عند الحدود المكسيكية، و يتجاهل تغير المناخ.
يمكن أن يكون لذلك تأثير أيضًا على الدول الأفريقية. بعد فترة وجيزة من توليه المنصب في عام 2021، ألغى بايدن القيود المفروضة على دخول مواطني الدول ذات الأغلبية المسلمة التي فرضها ترامب. و وفقًا لمارتن – شيلدز، فإن الإجراءات لمكافحة تغير المناخ هي جزء حالي من إستراتيجية البيت الأبيض.
و لأول مرة، وفقًا لمارتن – شيلدز، يتحمل رئيس أمريكي المسؤولية عن حقيقة أن الولايات المتحدة و دولًا قوية أخرى قد إنبعث منها ثاني أوكسيد الكربون أكثر بكثير من الدول الأفريقية و الدول الإستوائية. و يتفق الخبراء على أن البلدان الفقيرة تتأثر بشكل غير متناسب بتغير المناخ.