رغم التحديات الاقتصادية التي تطبع بداية عام 2025، أظهر تقرير مشترك صادر عن بنك المغرب والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية (ANCFCC) حول مؤشر أسعار الأصول العقارية (IPAI)، أن السوق العقارية المغربية لا تزال تُبدي قدرًا من الصمود، مع تسجيل استقرار نسبي في الأسعار على أساس سنوي، بالرغم من التراجع الملموس في حجم المعاملات بنسبة 15.2% مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية.
المعطيات تكشف أن هذا الانكماش شمل مختلف أصناف العقارات، إذ تراجعت المعاملات السكنية بنسبة 14.5%، ومعاملات الأراضي بنسبة 16.4%، والعقارات التجارية بنسبة 18.2%. هذه الأرقام تشير إلى تباطؤ عام في الطلب، في ظل مناخ يتسم بارتفاع تكاليف التمويل وتزايد الحذر من قبل الأسر والمستثمرين، الذين باتوا أكثر تحفظًا في اتخاذ قرارات البيع أو الشراء في ظل ضبابية المشهد الاقتصادي.
ورغم هذا التراجع في النشاط، لم تسجل الأسعار انخفاضًا كبيرًا، ما يدل على مرونة نسبية للعرض، أو تمسك البائعين بأسعارهم في انتظار تحسن الظروف. فقد ارتفعت أسعار العقارات السكنية بنسبة طفيفة بلغت 0.1%، مدفوعة بزيادة في أسعار الشقق بنسبة 0.3%، في حين تراجعت أسعار المنازل والفلل بنسبة 0.1% و0.7% على التوالي. أما أسعار الأراضي فقد انخفضت بـ0.1%، تماشيًا مع تراجع المعاملات، بينما سجلت العقارات التجارية تراجعًا في الأسعار بنسبة 0.3%، في انعكاس مباشر لحالة التباطؤ في النشاط الاقتصادي وركود الاستثمار في بعض القطاعات.
على المستوى الجغرافي، سُجل تفاوت في دينامية الأسعار بين المدن. ففي حين حافظت العاصمة الرباط على استقرار نسبي، شهدت مدن كبرى أخرى تراجعات واضحة، حيث انخفضت الأسعار في الدار البيضاء بـ1.8%، وفي مراكش بـ2.3%، وفي طنجة بـ2%. هذه الفروقات تعكس تباينًا في التوازن بين العرض والطلب، كما تبرز تأثير العوامل المحلية مثل تشبع السوق، وتغير أنماط السكن، وتوزيع المشاريع العقارية الجديدة.
المعطيات المقدّمة في هذا التقرير توحي بأن السوق العقارية المغربية تمر بمرحلة إعادة تموضع أكثر منها أزمة حقيقية. فالتراجع في حجم المعاملات لا يقابله انهيار في الأسعار، ما قد يعني أن السوق بصدد التكيف مع واقع اقتصادي جديد، عنوانه الحذر في قرارات الاستهلاك والاستثمار، وتباطؤ في وتيرة الإقبال على التمويل العقاري. هذا الوضع قد يستمر على المدى القصير، في انتظار تحسن المؤشرات الكلية مثل النمو الاقتصادي، واستقرار التضخم، وتراجع أسعار الفائدة.
إن مرونة الأسعار رغم انكماش النشاط تؤكد أن السوق لا تزال تحتفظ بمقومات التماسك، لكن استمرار هذا الوضع يبقى مرهونًا بعدة عوامل أبرزها اتجاهات السياسة النقدية، وتحولات العرض العقاري، وتطور ثقة المستثمرين والمستهلكين. وفي ظل هذه المؤشرات، يبدو أن العام 2025 سيكون عامًا انتقاليًا للقطاع العقاري، تتحدد خلاله معالم المرحلة المقبلة بين استقرار نسبي أو بداية لتصحيح أوسع.