واشنطن تبحث عن سلام مغاربي… هل تقترب نهاية نزاع الصحراء؟

0

بقلم إدريس بوداش .

تشهد الساحة المغاربية في الأشهر الأخيرة تحركات دبلوماسية غير مسبوقة منذ عقود، بعدما كشفت مصادر أمريكية عن مبادرة سلام مرتقبة بين المغرب والجزائر. الحديث عن “اتفاق سلام” لم يعد مجرد شائعة، بل أصبح محور نقاش في الدوائر السياسية والإعلامية، بعد تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، الذي أشار إلى جهود حثيثة تسعى واشنطن من خلالها لطي صفحة الخلاف التاريخي بين الجارتين.

تأتي هذه التحركات في سياق إقليمي ودولي حساس، إذ تتزامن مع تصاعد التوترات في الساحل الإفريقي، والأزمات الطاقية العالمية، والاهتمام الدولي بمسألة الصحراء المغربية. فالقضية التي أثارت الجدل منذ منتصف السبعينات لا تزال حاضرة بقوة على أجندة المجتمع الدولي، وسط محاولات دبلوماسية متواصلة لإيجاد حل سياسي يحفظ استقرار المنطقة ويعكس مصالح الأطراف المعنية، خصوصًا المغرب الذي قدم عبر عقود مقاربات واقعية تراعي السيادة الوطنية والحقوق المشروعة للسكان.

جذور نزاع طويل ومعقد

تعود جذور النزاع إلى منتصف السبعينات، عندما انسحب الاستعمار الإسباني من الصحراء، ليبسط المغرب سيادته على أقاليمه الجنوبية. في المقابل، دعمت الجزائر جبهة البوليساريو التي أعلنت من جانب واحد ما يسمى بـ”الجمهورية الصحراوية”. ومنذ ذلك الحين، ظلت العلاقات بين البلدين متوترة، ورغم الروابط التاريخية والثقافية والإنسانية العميقة التي تجمع الشعبين، إلا أن النزاع السياسي أحكم قبضته على العلاقة بين الرباط والجزائر.

أدى هذا التوتر إلى غلق الحدود البرية، وتجميد مشاريع التكامل المغاربي، وتعطيل فرص التنمية المشتركة، ما انعكس سلبًا على الاقتصاد الإقليمي وسبل العيش للسكان. المغرب، على مدار سنوات طويلة، حاول تقديم مقترحات عملية للتقريب بين وجهات النظر، كان أبرزها مبادرة الحكم الذاتي، التي تمثل حلاً واقعياً يجمع بين احترام السيادة الوطنية وحماية حقوق السكان المحليين، وقد حظيت بدعم واسع من القوى الكبرى والمنظمات الدولية.

المغرب… رائد السلام والاستقرار

تتمثل القوة الدبلوماسية المغربية في الجمع بين المبادرة الواقعية والمرونة في الحوار، دون المساس بالسيادة الوطنية. فقد أكد المغرب مرارًا أن الحوار المباشر مع الجزائر هو السبيل الوحيد لتجاوز الخلافات، وأن المصير المشترك يفرض العمل على بناء الثقة والاعتماد على المصالح الوطنية المشتركة.

الرباط لم تتوقف عن تعزيز موقفها عبر الشبكات الدولية والتحالفات الإقليمية، مما أكسبها ثقة واسعة على الساحة الدولية، وأتاح لها قيادة الدبلوماسية الإقليمية نحو نهج يعتمد على الحلول الواقعية والمشاريع التنموية المشتركة، بدل الانخراط في نزاعات لا طائل منها. المغرب اليوم يملك القدرة على قراءة أي مبادرة دولية بوعي، بما يخدم مصالحه الاستراتيجية والأمنية، وهو ما يجعل أي خطوة نحو السلام تتم وفق رؤية واضحة ومرتكزة على ثوابت الدولة.

إشارات إيجابية من الجزائر… لكن بحذر

في الأسابيع الأخيرة، برزت مؤشرات على انفتاح جزائري محدود، كما أشار مسؤول أمريكي، بشأن استعداد الجزائر لإعادة بناء الثقة مع المغرب وفتح صفحة جديدة. إلا أن الرباط تظل حذرة، مؤكدة أن أي تقدم يجب أن يستند إلى احترام سيادة المملكة وحل النزاع وفق المبادرة المغربية للحكم الذاتي.

هذه المعطيات تشير إلى أن المناخ السياسي في الجزائر بدأ يشهد بعض التغيرات، إلا أن تحقيق نتائج ملموسة يتطلب إرادة سياسية قوية ومواقف واضحة، خصوصًا وأن أي خطوة نحو السلام يجب أن تضمن مصالح الشعب المغربي وتحفظ حقوقه. المغرب بدوره يظهر التزامه بالسلام، لكنه متمسك بمبادئه، معتمداً على خبرته الدبلوماسية وقدرته على قيادة أي حوار بطريقة تضمن مصالحه الوطنية والإقليمية.

الدور الأمريكي والأمم المتحدة

تلعب الولايات المتحدة دورًا محورياً في المنطقة، وسبق لها دعم الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه. اليوم، تسعى واشنطن لتعزيز الأمن والاستقرار في شمال إفريقيا من خلال مقاربة عادلة تراعي مصالح المغرب والقوة الإقليمية للجزائر. فاستقرار العلاقات المغربية الجزائرية يمثل ركيزة لأي استقرار إقليمي، ويساهم في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، بما في ذلك تهديدات الإرهاب والتطرف في الساحل.

المبعوث الأممي، الذي يعمل على إعادة إطلاق المفاوضات بين الأطراف، يواجه تحديات كبيرة نتيجة غياب الإرادة السياسية في بعض العواصم. وهنا، يمكن لأي دعم دولي من قوة كبرى أن يشكل حافزًا لإحياء الحوار وإعادة تحريك المياه الراكدة، بما يعزز فرص الوصول إلى حل سياسي دائم.

الأبعاد الاقتصادية والتنموية

يبقى التحدي الأكبر في المنطقة هو الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية وفرص التنمية المشتركة. غلق الحدود وإعاقة التعاون بين المغرب والجزائر أدى إلى خسارة فرص كبيرة في مجالات الصناعة، الطاقة، السياحة، والزراعة. إن استعادة التعاون المشترك لن تعزز فقط النمو الاقتصادي، بل ستخلق فرص عمل للشباب وتحد من ظواهر الهجرة غير النظامية، ما يحقق الاستقرار المجتمعي ويقوي مكانة المغرب في شمال إفريقيا.

بين الواقعية والطموح

رغم صعوبة تحقيق اتفاق سلام في المدى القريب، فإن مجرد مناقشته يعكس تغيرًا في المناخ السياسي الإقليمي. المغرب يواجه تحديات مشتركة مع جيرانه: تعزيز الاقتصاد، توفير فرص للشباب، وضمان الأمن الإقليمي. استعادة العلاقات الإيجابية مع الجزائر خطوة استراتيجية لتعزيز الأمن والتنمية، لكنها لن تكون على حساب السيادة المغربية أو المبادرة الوطنية للحكم الذاتي.

إن المغرب يؤكد أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يقوم إلا على أساس الاحترام المتبادل والمصالح الوطنية، وأن أي تسوية ناجحة يجب أن تراعي الشرعية الدولية ومبادرة الحكم الذاتي المغربية. المبادرة الأمريكية، مهما كانت نتائجها، لن تنجح إلا إذا انطلقت من قناعة بحسن نية المغرب وإرادته في الدفاع عن مصالح شعبه واستقرار المنطقة.

إن تحقيق مغرب عربي متكامل ومستقر يبدأ من التزام صادق بالحوار واحترام السيادة الوطنية، وهما الركيزتان الأساسيتان لأي مستقبل مشرق للمنطقة. المغرب، من خلال سياسته المتزنة والهادفة، يثبت أن الحلول الواقعية، والتعاون التنموي، واحترام القوانين الدولية، هي الطريق الأمثل لتجاوز نزاع دام عقودًا، وإعادة كتابة صفحة جديدة من التاريخ المغاربي، يقوم أساسها على التنمية المشتركة والاستقرار والاحترام المتبادل بين الدول والشعوب.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد