الحدث بريس : المختار العيرج
شاءت الأقدار لسكان الحدود في شريط الجنوب الشرقي للمملكة و الغربي للجزائر، أن يجدوا أنفسهم، بعد استقلال الجزائر موزعين بين البلدين لأول مرة في التاريخ .
لم تفلح الدولة العثمانية في احداث شرخ في نسيج سكان المنطقة الذين بقوا خاضعين للايالة المغربية التي سلمت وحدها من الغزو التركي، و لا أدركت فرنسا هذا المنى، إذ خرت مستسلمة لميل السكان في حرية تنقل البضائع و الأشخاص طيلة فترة استعمار المنطقة التي بدأت باحتلال توات سنة 1900 و خضوع تافيلالت سنة 1934 .
لكن استقلال الجزائر شكل نقطة سوداء في تاريخ هذه المنطقة، و بداية منعطف مليء بالمآسي و المعاناة، فبعده سيتم لأول مرة نصب الأسلاك الشائكة و الحدود الجائرة التي شتت الأسر و حرمت الناس من حقهم في التجمع العائلي و التصرف في ممتلكاتهم التي حرم منها أساسا السكان المستقرون بالمغرب، لا فرق في ذلك بين من يتوفر على وثائق و مستندات قوية و ذلك الذي يعتمد على العرف و الموروث الجمعي .
من الوثائق القليلة التي يحوزها دوي منيع باعتبارهم سكانا موزعين بعد استقلال الجزائر بين البلدين، هذه الوثيقة التي أخرجها إلى الوجود القائد لكبير ولد العيرج بين سنتي 1912/1911، في هذا المستند الذي يحدد ممتلكات فخدة اولاد جابر في كل الأراضي التي ترويها السواقي المنطلقة من نقطة زقاقات الذهب بسهل العبادلة بولاية بشار، على اليمين كما على اليسار، و هي ممتلكات شاسعة جدا تشمل الآلاف من الهكتارات الصالحة للزراعة .
هذه الأراضي التي أصبحت – حسب نص هذه الوثيقة – ابتداء من تاريخ 31 يناير 1912 ملكية حصرية لأولاد جابر، لم يتصرف فيها هواري بومدين إبان ما أسماه بالثورة الزراعية بعد عملية استصلاح سهل العبادلة من قبل مقاولة أمريكية، فلم يسلم شبر منها للفلاحين الجزائريين المرحلين من مناطق أخرى، كما رفضت السلطات الجزائرية لحد الساعة تمكين مالكيها منها بحجة تواجد جزء منهم بالمغرب .
و لأن أولاد جابر موزعون بين الدولتين، فإن أولئك المستقرين بالمملكة يودون طرح أمر هذه الممتلكات على المسؤولين في المغرب، و على وزارة الخارجية لفتح مفاوضات مع الجزائر بخصوصها، لقد سبق لنا نشر الوثيقة و مقالات متعددة بصددها إلا أن لا أحد من المسؤولين اهتم بالأمر، و يحز في أنفسنا أن نرى اهتمام الدولة المغربية و الأحزاب و جمعيات حقوق الإنسان و البرلمان … بقضية المغاربة المرحلين قسرا من الجزائر و بممتلكاتهم، بيد أنه لا أحد اهتم بنا و لا بممتلكاتنا، و تركنا لحالنا و قوبلت مطالبنا بلامبالاة مؤثرة و غير مفهومة و لا مبررة.
أن هذه الوثيقة المنشورة أسفله، لم تبين كل الظروف و الملابسات التي كانت وراء صدورها، و هذه أهمها حسب ما حفظته ذاكرة الشيخ بلخير ولد العيرج ابن القائد لكبير :
_ كان الباعث على تخلي أعيان أولاد بلكيز عن حقوقهم في الأرض لفائدة فصيل اولاد جابر ” رفض تحمل مصاريف استغلال هذه الممتلكات ” ومنها حاجة المنطقة لبناء سديتيح ري الأراضي الفلاحية، فحددت المبالغ الواجبة لكل فصيل، ففضل الجميع الانسحاب و التنازل عن الأرض لفائدة أولاد جابر، فصارت هذه الأراضي منذئذ ملكية حصرية لهم .
_ حدد مقدار بناء هذا السد في 42 حسني، كما أخبرني بذلك والدي رحمه الله الشيخ بلخير ولد العيرج ، و هو المبلغ الذي لم يتمكن الترجمان من قراءته .
_ القائد لكبير ولد العيرج كان قائدا يحمل ظهير السلطان الحسن الأول، و تنازل عن القيادة حين فرض الإستعمار الفرنسي على قياد دوي منيع ارتداء البرنوس الأحمر .