بمناسبة تخليد الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، عاد ملف العلاقات المغربية الأمريكية إلى الواجهة من بوابة تصريحات أدلى بها النائب الجمهوري الأمريكي ماريو دياز بالارت، الذي خص المملكة بإشادة لافتة، اعتبر فيها الملك محمد السادس «واحدا من أبرز المصلحين» على الساحة الدولية، مشيرا إلى ما وصفه بـ«الرؤية المتبصرة» التي جعلت من المغرب «فاعلًا محوريًا» في محيطه الإقليمي.
وقال دياز بالارت إن سلسلة الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أطلقت خلال العقود الأخيرة ساهمت، وفق تعبيره، في «تعزيز الاستقرار الداخلي وترسيخ موقع المغرب كشريك استراتيجي للولايات المتحدة»، مستحضرا في الوقت ذاته ما وصفه بـ«العمق التاريخي» للعلاقات بين الرباط وواشنطن، والتي تتجاوز قرنين ونصف من التعاون المتواصل وتبادل المصالح.
وجاءت هذه التصريحات في سياق يواصل فيه الجانبان التأكيد على خصوصية الشراكة الثنائية، التي تنظر إليها واشنطن باعتبارها ركيزة ضمن ترتيباتها الأمنية والسياسية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.
وفي هذا الإطار، أشاد المسؤول الأمريكي بدور المغرب في «تعزيز قيم التعايش ومكافحة التطرف»، وهو خطاب تحرص الدبلوماسية المغربية على تقديمه في المحافل الدولية منذ سنوات.
في المقابل، سارع سفير المغرب في واشنطن، يوسف العمراني، إلى نشر مضمون هذه الإشادة عبر حسابه في منصة «إكس»، معتبرا أن الموقف يعكس «تقدير المؤسسات الأمريكية» لخيارات الرباط السياسية والدبلوماسية.
وذهب العمراني إلى التأكيد على أن المغرب «بات يحتل مكانة متقدمة في الساحة الدولية» بفضل ما وصفه بـ«الرؤية الاستشرافية» للملك، التي تجعل من التنمية والدبلوماسية والحداثة ركائز أساسية في النموذج المغربي.
وتأتي هذه المواقف في لحظة رمزية يحيي فيها المغرب مرور خمسين عاما على المسيرة الخضراء، الحدث الذي تحول إلى رمز في الذاكرة الرسمية للدولة ووسيلة لإعادة تأكيد روايتها حول وحدة التراب الوطني، في ظل استمرار التوتر حول ملف الصحراء وتعدد رهاناته الإقليمية والدولية. حيث تتقاطع في هذا الملف اعتبارات الجغرافيا السياسية، وملفات الأمن الإقليمي، وشبكات النفوذ بين القوى الكبرى، ما يجعل أي إشادة أو موقف دبلوماسي محط متابعة دقيقة من مختلف الأطراف.
وبينما يعتبر المغرب هذه التصريحات «تأكيدا لمكانته» في الخارطة الجيوسياسية، يرى مراقبون أن توقيت الإشادة الأمريكية يأتي في سياق إقليمي مضطرب، تتداخل فيه مسارات إعادة تشكيل التحالفات داخل المنطقة، ما يضفي على الخطاب الدبلوماسي مزيدا من الحسابات الاستراتيجية، أحيانا بما يتجاوز لغة المجاملة إلى رسائل ذات دلالات أعمق.