يشهد البرلمان المغربي حالة غير مسبوقة في تاريخه، بعدما وجد 30 نائباً برلمانياً أنفسهم أمام أحكام أو متابعات قضائية تتعلق بالفساد وتبديد المال العام، في قضايا شملت ممثلين عن مختلف الأحزاب السياسية، سواء من الأغلبية أو المعارضة.
المجلة الفرنسية جون أفريك وصفت هذه المعطيات بأنها “واقعة غير مسبوقة”، مشيرة إلى أنها أثارت موجة واسعة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كتب أحد النشطاء ساخراً: “لدينا غرفة النواب، غرفة المستشارين… وغرفة عكاشة”، في إشارة إلى السجن الشهير بالدار البيضاء.
وتصدرت قضايا سوء تدبير المال العام والصفقات العمومية والاختلاسات المالية لائحة الاتهامات، فيما كان آخر المنضمين إلى القائمة محمد كريمين، النائب عن حزب الاستقلال ورئيس بلدية بوزنيقة، الذي أدين بالسجن سبع سنوات نافذة بتهم “تبديد المال العام” و”استغلال النفوذ”.
كما احتل حزب التجمع الوطني للأحرار، قائد الائتلاف الحكومي، المرتبة الأولى في عدد النواب الملاحقين قضائياً، بثمانية أسماء، من بينهم محمد بودريقة، المحكوم بخمس سنوات سجناً نافذاً في قضية اختلاسات مالية. وشملت المتابعات أيضاً اتهامات تتعلق بالاتجار بالبشر، وهتك العرض، وإعادة بيع تذاكر مباريات كأس العالم 2022، كما هو الحال مع النائب محمد الحيداوي.
وبحسب المعطيات، فإن 16 نائباً من الأغلبية يواجهون المحاكمة، مقابل 14 من المعارضة، ما يؤكد أن هذه القضايا لا تقتصر على تيار سياسي بعينه. ومن بين الأحزاب المعنية، حزب الأصالة والمعاصرة الذي يواجه أربعة من نوابه اتهامات، أبرزهم سعيد الناصري المتابع في ملف “إسكوبار الصحراء”.
في المقابل، لم يسجل حزب العدالة والتنمية أي حالة متابعة في صفوفه، رغم محدودية تمثيليته البرلمانية (12 مقعداً) وبعد نوابه عن مجال الأعمال.
ويرى مراقبون ومنظمات حماية المال العام أن هذه الملفات تمثل مؤشراً على تصاعد جرأة القضاء في التصدي لملفات الفساد داخل المؤسسات المنتخبة، خاصة وأن تقارير سابقة قبل انتخابات 2021 كانت قد نبهت إلى وصول مرشحين ذوي سوابق قضائية إلى قبة البرلمان. وختمت جون أفريك تقريرها بالتأكيد على أن هذه التطورات تعكس إرادة متنامية لمحاربة الفساد، رغم التحديات السياسية والهيكلية التي ما زالت قائمة.