الحدث بريس : الصادق عمري علوي.
يعتبر المعرض الجهوي للكتاب الذي يقام كل سنة بعاصمة درعة تافيلالت محطة مهمة للتلاقي والتواصل المعرفي بين المهتمين بمجال القراءة بجهات المغرب.
فنوعية المشاركين فيه من مؤسسات رسمية ودور النشر والموزعين ، والمبدعين على حد سواء ، تنم عن الإهتمام الذي توليه وزارة الثقافة لهذا الجانب الحيوي في حياة الأمم ، ترسيخا منها من خلاله
لفعل “القراءة ” كأساس لأي بناءتنموي منشود ، وما التركيز في برنامجها المعد على حضور فئة تلاميذ المؤسسات التعليمية … إلا تجسيد مفكر فيه لرؤية مستقبلية محددة الأبعاد في إطار مهمتها ودورها التثقيفي والتعليمي الوطني.
احتفاء يبرزه الموضوع المادي الأساس المتمثل في “الكتاب ” كسلطة معرفية قوية تنهل من عوالم الحضارة البشرية وهي في طريقها نحو صناعة الحاضر و المستقبل ، و كخير جليس بالبيت والمكتبة …لا يمل حديثه الصامت ولايفنى معينه الدافق ، وكأجمل شيء يقتنى لا يمكن الاستغناء عنه ذاتا ووجودا.
ونظرا للمكانة التي يحتلها فعل “القراءة ” في وجدان عشاق و محبي الكتاب أم المكان جمهور غفير متعطش للعلم و المعرفة ، وخاصة تلاميذ وطلبة المؤسسات التعليمية رجاء العثور على ما يبحثون عنه بشغف ، يلبي طموحاتهم في إثراء رصيدهم في ما جلبته المكتبات وخزانات المؤسسات الرسمية ، و دور الطباعة والنشر المغربية الحاضرة هناك من ” طنجة ، البيضاء والرباط …” من كتب قيمة وإصدارات جديدة لكتاب مغاربة وأجانب في مختلف التخصصات العلمية والفكرية والأدبية …
تركيز المنظمين على ” القراءة كبوابة لصناعة المستقبل ” لم يأتي عبثا ، فقد كان الغرض منه توجيه الأجيال نحو النور المبدد للجهل والتخلف ، وباعتباره سلطانا نافذا في أقطار السماوات والأرض بنص الكتاب، الباني الأعظم لشخصية الأفراد والجماعات ، المؤهل لحركية المجتمع الثقافية والعلمية ، إذ بالقراءة يخرج الانسان من شرنقة الخواء و الظلامية ، والعدمية ،حتى يساهم بشمل ايجابي وفعال في إصلاح محيطه ، وبيئته ” والانفتاح الإيجابي على آداب وعلوم الشعوب والأمم الأخرى.
في هذا المعرض النموذجي كذلك قمنا كصحافة متابعة للشأن الجهوي والوطني بجولة عبرأروقته فألفينا فيه من خلال العناوين وآخر ماهو مسطر بدفة الكتاب المعروض ما يجمع بين تاريخ عريق عابق بما مضى من قرون يعيش ضمنه مبدعون و باحثون ودارسون يرتشفون متنه ويتأملون نصوصه ، ويحللون مبناه ومعناه تشوفا واكتشافا لما خلد من عالم أقوام الأزمنة الغابرة : كيف بنت دنياها وعاشت لحظتها وكيف تعاملت مع محيطها … ؟ إلى أن خلدها الدهر ، وأصبحت أحاديث تروى وتنشر.
وكتب أخرى أرقت مؤلفيها الأسئلة الدينية والفلسفية والإجتماعية ، والاقتصادية في محاولة تقديم إجابات لحاضر نعيشه يحبل ويعجُّ بالأسئلة المؤرقة ، والألغاز المحيرة ، مقبلة على مستقبلٍ يحتدم فيه الصراع والتدافع الدولي ثقافيا وسياسيا واقتصاديا … نحو تحقيق حلمها في التقدّم والتطور على مختلف الأصعدة سلبا وايجابا.
و كتب أخرى يستعرض أصحابها مالديهم من كنوز نثرية وشعرية وكأنهم في ذلك يبغون عشقا لقرائهم توسيع مداركهم اللغوية ، والتعبيرية إذكاء لمعارفهم ، وتطويرا لمهاراتهم في مجالات اشتغالهم.
وكتب أخرى لمؤلفين تحتفي بغاية إيقاذ توهج عقول القراء الشباب في أبحاث علمية رصينة لتثبيت النقد البناء لديهم .. رسالتها الفضلى تبيان المنهج ، ومنطق سير الأفكار وبنائها شحذا لوسائل التفسير والتحليلٍ، والتفكيك ، والتمحيصٍ، ومنها التي تثري التخيُّلٍ، وتجذب لمعامع تضارب الأراء الفكرية ضمن حلبة السياقات النظرية المختلفة.
ومن الكتب المعروضة من يحمل بين دفتيه غريب المعاني والمفردات، وروائع الإنتاجات الأدبية ، من شعر ونثر ورواية وقصة ، وما تضمه من أنماط سردية وعبر وحكم وحكايات تسافر بالقاريء نحو أزمنة مغرية ، غرائبية متدثرة بالواقع تارة ، وبالخرافة تارة أخرى ، ومنها التي تعرض كنوز المتاحف المغربية من تراث الحضارة المغربية المادي واللامادي وخاصة برواق مديرية الكتاب والخزانات والمحفوظات التابعة لوزارة الثقافة.
ولسنا هنا في هذا المقال نبغي تقديم أمثلة عن تلك الكتب القيمة في مجالها ، أو أن نقدم إشهارا لكتاب على كتاب ، أو مؤلف على آخر ، لأن الأمر يتعلق بالقاريء الزائر للمعرض احتراما منا لتنوع الأذواق ووجهات النظر المختلفة ، وكون هذه الباقة الكبرى الزاهية من الورود العابقة الجذابة لايسعنا المجال للحديث عنها جملة وتفصيلا ولو حاونا إلى ذلك سبيلا .
إن معرض الكتاب بالمحصلة لقاء استثنائي بامتياز ، برواده ، بمحتويات أروقته ، بعروضه ، بمحاظراته الفكرية و الفنية والشعرية والموسيقية … لذا نغتنم الفرصة اعترافا لذوي الفضل بفضلهم في تنظيم هذا الحدث لنقدم الشكر الجزيل لداعميه ومنظميه من وزارة الثقافة وسلطات محلية ، وكذا مدراء وموظفي دور الطباعة والنشر والتوزيع المغربية ، الذين فتحوا لأبناء الجهة هذه البوابة الرائعة نبلا منهم وعناية سامية ، ليلجها القارئ صوب محيط من الثقافة مبهر، يتعرّفون على مساهمة عقول شخصيات تركت بصماتها من الماضي والحاضر في سعيها لبناء صرح نبوغ الحضارة المغربية خاصة والعالمية عامة في شتى المجالات المعرفية.