الحدث بريس – الصادق عمري علوي
من صحراء تافيلالت وعبر امتداد تضاريس جغرافية آسرة تؤثثها أطول واحة نخيل احتضنها حوض زيز بضفتيه .. تبرز من أعاليه حتى سافلته الثنيات والفجاج والمنحدرات الرهيبة ، منحوتة مدى الدهر، قدتها السيول والرياح وخرمها توالي القر والحر … من سلسلة جبال الأطلس الشاهقة بشعابها وأخاذيذها ومهاويها الصخرية الوعرة ، ذات التكوين والتشكيل الفريد امتدت بقوة ومهابة ومتانة حتى فج ” الخنك ” لتنفرج على منبسط سهلي يمتد من سفح “جبل حمدون” حتى لوية ” بوبرنوس ” عند التقاء منطقتي الرعي والاحتطاب لقبائل المنطقة : “تاكركورت الخنك” و ” تماسين مدغرة ” .. بهذا المنبسط من البلاد المترامية الأطراف ” الواقعة بالجنوب الشرقي للمغرب عاش الرجل منقطعا لشؤون زاويته : مربيا ومعلما لمريديه و مهتما بمرتادي زاويته ، بعد أن تلقى علوم الشريعة و الحقيقة من علماء وصلحاء فاس … تلك الزاوية التي لازالت أطلالها ونخيلها السامق من جهة الشرق شاخصة إلى الآن ، وقد مدها بالمقومات المادية اللازمة و أنشأ بها الدور وأحاطها بسور ، وشق لها الخطارة وأنشأ السانية ( آلة لرفع الماء من البئر وضخه بالمزرعة ) … واختار أن تكون واسطة العقد على مرأى جميع القصور ( التجمعات السكانية لمدغرة )
إنه شيخ الزاوية الدرقاوية محمد العربي (1216ه /1801 م – ( ت 1309 ه / 1892 م ) الذي اعتبر لدى العديد من الباحثين عربا وأجانب من الشخصيات المغربية المثيرة للجدل بالجنوب الشرقي للمغرب ، بما كان لها من حضور اجتماعي وديني لافت كالباحث عبد الكريم الفلالي في كتابه ” التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير ج السابع .. الذي أثنى عليه واعتبره شيخ المجاهدين الأوائل في نصرة الدين والتصدي للمستعمرين .. وكذا لثلة معتبرة من الدارسين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر د عبد الله العروي في كتابه ” الأصول الإجتماعية والثقافية للوطنية المغربية (1830-1912 ) و د عبد العزيز بلبكري في كتابه ” من رواد المقاومة المغربية بتافيلالت أواخر القرن 19 م محمد العربي الدرقاوي المدغري : العالم والمجاهد ” 2018 ، و الباحثة ابتسام تملاين في جزء من مؤلفها “آثار الاحتلال الفرنسي لتافيلالت: دراسة في البنيات السياسية والاجتماعية وتحولاتها ” و كذا الباحث عبد الله استيتو ” الزاوية والمجتمع القبلي والمخزن ” مجلة فكر ونقد … ومن الأجانب ” شارل دو فوكو ( Charle de Foucauld (reconnaissance au maroc )
1884-1883
و “ليناريس” ( Linares ) في رحلته إلى تافيلالت Voyage au Tafilalet 1893
وروس إدان : ” المجتمع والمقاومة في الجنوب الشرقي المغربي المواجهة المغربية للإمبريالية ” 1881-1912 …
لكن الملفت للنظر هو أن محمد العربي الدرقاوي في تلك الفترة العصيبة من تاريخ المغرب كان يمارس الإعلام بشكله التقليدي “عبر بث رسائله و منشوراته التي كان يوزعها في المناطق المختلفة بربوع المغرب وقد وجدت بعض من آثاره المخطوطة محفوظا من عوادي الزمن في العديد من الزوايا الصوفية … ومكتبات البيوتات الخاصة لفقهاء منطقة تافيلالت ، والتي يمكن أن نعتبرها اليوم ملمحا من ملامح طرق الإعلام و الإتصال والتواصل بين الناس في ذلك العصر .
ينقل محمد العربي الدرقاوي بمنشوره بعض الأحداث مبتدئا بقوله : ” قدمت بنية جهاد أعداء الدين وتكثير سواد المسلمين حتى نزلنا بمحروسة فاس حاطها الله من كل باس …” كما يخبر عامة أهل تافيلالت كيف اجتمع “مجلس علماء المغرب ” بخزانة الكتب من القرويين … ثم ليسوق نص خطاب السلطان وفتوى المفتي في الآن نفسه ، محققا للهدف الذي قطع من أجله الفيافي والقفار من مدغرة إلى حاضرة فاس .
موظفا في ذلك عقيدته كقطب ملهم قوي الهمة حاضر الجنان مما أعلى منزلته ومكانته الروحية والاعتبارية ضمن أعلام المنطقة ، و بما كان له من علاقات واسعة ، ومعرفة دقيقة بالمجال ، و معادن الرجال ، كيف لا ورسائله ناطقة بذلك كوثائق ذكر فيها بعضا من ملوك الإسلام و زعماء القبائل و شيوخ ومقدمي الزوايا …
كما تضمنت رسائله مختلف القضايا والأغراض ، والوقائع التي شغلت بال الشيخ وأخذت حيزا من ساعات عمره في منشوره الإعلامي الذي أرفقه بخطاب السلطان العلوي “محمد بن عبد الرحمان بن هشام ” ففي عهده بما شاهده وعاينه تشكلت نظرة الشيخ للجهاد وترسخت … ثم استجابة لأمره ألزم نفسه إبلاغ وإعلام كافة أهل الصحراء الشرقية بشأنه ، ليكونوا على بينة من الأمر الخطر ويلتحموا حول السلطان .
لقد كان من ضمن الحضور بجامع القرويين فألزم نفسه من منطق مسؤوليته أن ينقل للعموم والخصوص ما وقع ثم نص الفتوى الصادرة عن قاضي الجماعة الإمام الأعدل محمد الصادق بن محمد الهاشمي (ت سنة 1279 ه بمراكش ) .
إعتاد الشيخ كما في جل رسائله الذكر عفوا لعبارات التبجيل والدعاء مبرزا تعلقه بالسلطان محمد بن عبد الرحمان ليمر بعد ذلك للحديث عن المسألة الأساس وهي الإعلام بخطابه المتمحور حول مسألة الجهاد الموكول صراحة ” لهيئة الإفتاء ” ، و المغرب حينها يمر بأحلك اللحظات فكانت الأمة أحوج ما تكون لجمع الكلمة وتوحيد الصفوف للدفاع عن حوزة الوطن .
افتتح الشيخ ما يرغب في تبليغه كعادة فقهاء المساجد بحواضر المغرب سجلماسة وفاس ومراكش .. بالبسملة والحمدلة ، مردفا لهما بالثناء والشكر لله تعالى قائلا :
” … يسر الله لنا ولكل من سعى أو تسبب في خيره بتيسيره الميسور ،على ما يرجى وتحمد عاقبته من الأمور ، وجعل حركاتنا ولحظاتنا ونياتنا من السعي المشكور، والتجارة التي لاتبور ، فإني لما ثار العدو الكافر دمره الله وكسر شوكته وفل حدته ، ونكس أعلامه وعكس مرامه بساحل ثغر تطوان صانها الله من الضر والعدوان وسارت بذلك الركبان وتسامعت به الآذان قدمت بنية جهاد أعداء الدين وتكثير سواد عساكر المسلمين ، حتى نزلنا بمحروسة فاس حاطها الله من كل باس وصان أرجاءها وأقطارها من غي الأرجاس وذلك في 21 من رجب عام 1276 واتفق أن مولانا الإمام المظفر الهمام ، قيوم الشريعة ونظام الإسلام مولانا أبا عبد الله سيدي محمد ابن مولانا عبد الرحمان بن هشام أدام الله سيادته ووالى عزه ونصره ومجادته وأيد جيوشه وجنوده وأمد بقوى إمداده أعلامه وبنوده وحفظه بما حفظ به الذكر ونصره بما نصر به أهل بدر، وأسعده بحماية الدين وجعل الكفر بأسره في أسره ، والبغي تحت سيف قهره والرعايا منقادة لأمره ، عقد مع الطاغية مهادنة لمصلحة اقتضتها ونصيحة سياسية لنصح عينتها ، فأخذ أيد الله ميمون نقيبته وسدد محمود نظره ورعايته في الحزم والعزم والاستعداد والتأهب للنزال والجلاد ، واتخاذ الآلات ونظام العساكر وبعثة العيون و الجيوش ورأى وفق الله رأيه وأرشد سيرته وأسعد هدايته على كيفية ملوك الإسلام .. وطغايا الكفر اتخذوا هذا النظام وكذا الآلات لدحر العدو فسأل سدده الله عن حكم الشريعة علماء الدين وأساطين المسلمين.
فتوجه لهم بما نصه : ( خطاب السلطان )
” الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما ، ثم طابع الشريف فيه محمد بن عبد الرحمان وليه الله ، أحباءنا أهل العلم الشريف بهذا القطر المحروس بالله ، وفر الله عددكم ورعاكم وسددكم وسلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،
فليس بخاف على خاصة الناس وعامتهم ما قابل به الكفار ؛ المجاهدين وأنصار الدين من الضرب بالمهارز والمدافع وحشد جموع … من برهم من العساكر المسمات بالنظام الذين يقتلون على كيفية مخصوصة كي لايقف أمامهم منهم مقاتل ولا مدافع … فثبتوا وصبروا وفعلوا مقدورهم وما قصروا ولولا صبرهم صبر الأبطال ما وقف أحد أمامه ولا نصب أعلامه من كثرة ما قابلهم من أنواع الضرب والمكائد والحرب ، حتى كان ينزل عليهم الكور والخفيف كالغيث الهطال ، وحصول ألطاف خفية ونصرة من الله جلية لظفر بمطلوبه وحصل على مرغوبه .
فلله الحمد على ما أولاه ونشكره جل في علاه هذا وأن ما يحسنه المسلمون من وجوه القتال ليس بشيء بالنسبة لعمل الكفار ، بل لا يعتبرونه ولا يعدونه عملا من الأعمال ، ولو استعدوا لهم بمثل استعدادهم ما وقفوا أمامهم بوجه ولا بحال ، لأنهم إنما كانوا يقابلونهم بما عرفوه وتمارسوا معه وألفوه فكيف لو استعدوا لهم بمثل استعدادهم وانظم ذلك إلى صبرهم الواقع عند قتالهم وجلادهم ، فتعين بحسب ما ظهر لنا أن نأخذ في جمع نظام يرغم أنوف الكفار ويقوى به المسلمون على مقابلتهم ويحصل لهم بحول الله وقوته عز وانتظام
ولا يحصل المرغوب في زماننا والغرض من الاستعداد المطلوب في وقتنا إلا به وها نحن نستشيركم في أمره فأشيروا فيه بما ظهر لكم وأيدوه بدليل يبريء ويشفي الغليل لنتبعه حينئذ ونقتفيه إذ لايحل لامريء يومن بالله واليوم الآخر أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه ، ثم ما تقرر في الأسماع وشاع وذاع أن ملوك الاسلام لما رأوا ما أنشأه طغاة عبدة الأصنام من هذا النظام وعلموا أن مدافعتهم لا تكون إلا به على الوجه الذي ابتدعوه ورتبوه واخترعوه أخذوا في جمعه وأسسوه على وجه عجيب ورتبوه أحسن ترتيب فصاروا حينئذ يقاومون به الكفار ولا يقر لهم معهم عند المحاربة قرار وبه ظهر نظام السلطان العثماني على نظام طاغية الموسك غير ما مرة عندما كانت بينهم ” الكرة ” حتى طار صيتها وأمرها كل المطار في جميع الأقطار وكان تقهقرهم بين الورى إلى ورا ، والله أسأل أن يؤيد المسلمين ويخذل الكافرين بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومجد وعظم والسلام في (…) من رمضان المعظم عام 1276 ه .
هذا كتاب مولانا المؤيد فاجتمعوا عليه بخزانة الكتب من القرويين عمره الله بذكره ءامين ، واجتمعوا على وجوب ذلك لتوقف حماية الدين عليه وقاموا امتثالا للأمر العالي ، وكلفوا ما أنابهم في ذلك من غير تراخ ولا توان ، ورغبوا من سيدنا وبركتنا وعمدتنا وعدتنا في ديننا ، وإمام مغربنا العالم العلامة الدراكة النفاعة الفهامة المحقق المدقق المفتي من يفزع إلى فهمه ويعتمد على علمه ، السري الناصح علم الأعلام الأكمل المدرس الأمثل القاضي الأعدل أبي عبد الله سيدي محمد الصادق بن المرحوم بكرم الله مولانا هاشم بن مولانا الكبير الحسني العلوي … أن يتصدر لإجابة مولانا أمير المؤمنين … بما ستقف عليه إن شاء الله تعالى بما هذا نصه :
” الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما ، الحمد لله الذي أيد هذا الدين المحمدي بالجهاد ووعد الساعي فيه أوفى شيء منه بالوصول إلى أسنى المراد والشهيد بالحياة السعيدة بالرزق الحسن في برزخ الموت والانسداد ، فما من ميت لايتمنى العود إلى الدنيا إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة من ذي العرش المجيد فيطلبها ليزداد وله من الكرامات ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بعد المعاد … وبعد أسعد الله الملة والدين وحمى بفضله الإسلام والمسلمين وحرس أرضهم وأدام كلاءتهم بوجود أمير المؤمنين وأكرمه بالعز والتمكين وأيد جنوده وبنوده وأعوانه وأنصاره بالحق المبين وجهاده بالتوفيق لإهانة وإخماد وإهلاك الكافرين وإبادة شمل المشركين . فإنه لما وقع من تكالب الكفار على حرب المسلمين وخروج جنودهم المخذولة لسواحل الموحدين واستعدادهم لهتك حرمة المؤمنين ، واستعدوا واحتالوا وهموا بما لم ينالوا نهض مولانا قيوم الشريعة وحافظ الدين على ساق الجد والاجتهاد وقوة الجلاد في كسر شوكتهم وفل حدتهم وجمع لذلك الجيوش والعساكر من أهل النجدة والأبطال وأمرهم بالقوة والعدد والأموال حتى نكص الأعداء على عقبهم ورجعوا القهقرى من ورائهم ولم يحصلوا على طائل وسعيهم إلى الحرمان والشقاوة ءايل .
وعلم أيده الله وأسعده ما أعدوه لذلك من المكائد ونصبوه من المصائد ، رأى حينئذ وفق الله رأيه وشكر سعيه أن الشيء لا يقابل إلا بضده والصرم لايقطع إلا بحده ، اقتضى ميمون نقيبته وكمال نصحه لرعيته أن يستعد لحربهم ومنازلتهم وتبديد شملهم بمثل مااستعدوا له ورأى وفق الله رأيه أن أعظم ذلك وأشده نكاية وأقومه دبا وحماية هذا النظام المعهود على الكيفية المعلومة وأنه لايحصل المراد إلا به في قوة الاستعداد حسبما شهدت به التجارب لاقتضاء الظفر بالمئارب واتخذه ملوك الإسلام واتسق لأمورهم فيه الانتظام وذلك في جميع الاقطار ومن أهمله منهم آل أمره إلى البوار
فحينئذ تعين طريقا لقوة الاستعداد ومهيعا للحزم والجلاد فكان لذلك نهاية الرشاد وكان مولانا حسنة الليالي والايام أدام الله نصره وخلد في صالح الأعمال ذكره وقافا مع أمور الشريعة المطهرة النبوية متبعا للسنة المرضية فلا يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه فيعمل به حينئذ ويقتفيه استشار في ذلك أهل العلم في الإقدام عليه ليكون على بصيرة فيما يؤسسه من ذلك ويصطفيه تقبل الله منه بدل نصيحته وجزاه على نيته وأبقاه حصنا حصينا للدين ومعقلا منيعا لحماية المسلمين بجاه جده صلى الله عليه وسلم في الأولين والآخرين وبحق عترته الطاهرين والجواب والله بمنه الموفق للصواب … قال تعالى ” وأعدو لهم مااستطعتم من قوة … ” إلى أن قال : ” … وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر ” ألا إن القوة الرمي قالها ثلاثا ” …
استعرض المفتي مفهوم الجهاد وشروطه وحيثياته بنص الكتاب والسنة وما يجب القيام به وماعليه عادة الملوك …عارضا أقوال علماء المغرب … ذكر فيها قول سيدي العربي الفاسي ” لا يبرأ المسلمون من عهدة المدافعة ونصر من عجز إلا إذا استفرغوا الوسع في إزاحة الكفار من المدائن التي أخذوها من المسلمين فلوا نزلوا عليها ولم تفتح وجب عليهم معاودتها كلما أمكنهم ذلك حتى يفتحها الله عليهم ولا فرق في ذلك بين المدائن … ” اعتمد المفتي في عرض أدلته على ” الكافي ” و” ابن عرفة ” و ” الشيخ خليل ” و”فلك السعادة ” والطرطوشي ” للإحاطة بالموضوع من كافة جوانبه حتى لايترك لناظر إعادة نظر، أو تقليب رأي أو جدال … مما يدل على أن مسألة الفتوى أمر جسيم لأنه يتضمن إجماع صفوة الأمة من علمائها … وقد إقتصرت على ذكر بعض من مقتطفات من خطاب المفتي لطوله .
من خلال ماسبق ذكره يتبين أن الشيخ الدرقاوي كان ذا تأثير روحي قوي ، وكان يمارس مهمة التثقيف والتوجيه الإعلامي الحر من خلال رسائله المتعددة لزعماء ومقدمي الزوايا والأعيان ورؤساء القبائل سائرا على رحابة المجال الجغرافي الممتد بتضاريسه الوعرة .. والتي لا يكل الشيخ الصوفي و مرافقيه من ارتيادها .. مستقلين صهوات الجياد ، يلتهمون مسافات الطرقات والمسالك نزولا وصعودا من بلد إلى بلد تحريكا منهم لهمم القبائل المغربية بالجنوب الشرقي لصد الإستعمار الفرنسي أثناء تسلله عبر الجزائر .. والاسباني الذي اقتحم ثغر “تطوان ” .
كما أرخ الشيخ للحظة الإجماع الوطني حول الجهاد بهذه الوثيقة الإعلامية الهامة الثلاثية الأقطاب، العجيبة الدمج كصورة تجل لوحدة ميثاق المواجهة : الزوايا المغربية برباطاتها المناطقية الداعمة للسلطان كأمير للمؤمنين ، والمفتي كمصدر للقول الفصل ممثلا لإجماع علماء المغرب .
إنها وثيقة تاريخية هامة بقيت صامدة رغم ما طالها من تأثير عوادي الزمن … عصية على المحو ناطقة بصدق ، دون لي ، ولا طي ، أوجحود لإخفاء الحقيقة التي لطالما عمل خصوم الشيخ وحساده طمرها ضمن ما سعوا لطمره حتى وصل بهم الحال إلى التشكيك في نسبه …
المنشور يتحدث عن انتقال الشيخ من تافيلالت إلى ” محروسة فاس ” كواحد من الحضور فنقل بأمانة ما جرى الإجماع عليه بجامع القرويين من تكليف علماء المغرب للفقيه العالم العلامة “محمد الصادق ” لإجابة السلطان حول مسألة الجهاد وكيفية الإستعداد للمجابهة والجلاد .
كما يعلم العام والخاص بالواقع الطارئ والنازلة الخطيرة وهي ” هجوم طاغية الروم على الثغور ” وقد تكفل بالنقل الأمين لرسالة السلطان محمد بن عبد الرحمان بخصوص “مسألة الجهاد” و تحديد كيفية الإستعداد لمجابهة المستعمر الإسباني .
الأجمل في المنشورالثلاثي أننا إذ نواصل القراءة نجد أنفسنا أمام نص خطاب جيد السبك جزيل المعاني ، يسوق الحقيقة ، وينقل للناس خطاب السلطان مبنى ومعنى ، توجيها واستثمارا عارضا للحال ، مشيرا لاعتماده “نظام الشورى” يتجلى ذلك من نص خطاب المفتي العالم “محمد الصادق” الذي أختير للتصدر للفتوى أنذاك ” والأمر يتعلق بحدث خطير وهو تكالب أطماع الصليبيين على بلاد المسلمين ، تأثيثا لبلدانهم ” بسفك الدماء ، وتشييد مجدهم وثرائهم وحضارتهم على جماجم الشهداء ، فقد استشهد العديد من الدرقاويين الذين رفعوا راية الجهاد فقطف المستعمر جماجمهم ليرصع بها متاحفه ومجده الزائف ” متحف الإنسان ” …!
إن الشيخ الدرقاوي بخلاف بعض من أقطاب التصوف لم يكن الراهب المنعزل في صومعته ” زاويته ” بل كان مشاركا فاعلا ضمن مجتمعه ، ولا أدل على هذا من هذا المنشور الذي يبين “ما كان” في نية الشيخ من العون والمدد للسلطان وما كان بمقدوره كزعيم روحي أن يقدمه لوطنه في تلك الأوقات العصيبة بداية من رباطه ب “قصر جاوز” ” رحمة الله ” حتى آخر نقطة من الرباطات الصوفية للزاوية الدرقاوية المنتشرة بجل مناطق الجنوب الشرقي للمغرب ، والتي حاول المستعمر الفرنسي بكل دهاء كسر ذلك المدد والإرتباط القوي بينه وبين السلطان الحسن الأول فيما بعد لعلمه بالخطر الذي يشكله تكتل القبائل شمالا وجنوبا من استجماع للقوى المهدد لوجود القوى الإستعمارية وإفشال لمخططاتها ، إذ أن تحالف القبائل المغربية يدا واحدة كفيل بتحقيق النصر وصد العدوان .. والمستعمر كما نعلم يعتمد على ” سياسة فرق تسد ” وينهج في تحقيق ذلك شتى الطرق.
عندما يجتمع العلم والسلطة والايمان يحققون المستحيل..
رحم الله الشيخ محمد الهاشمي الدرقاوي وجعله مع النبئين و الصديقين وحسن اولئك رفيق