المختار العيرج
لم يكن مفاجئا لسكان مناطق الحدود دخول الجزائر عنوة إلى أراضي العرجة، فالجيران ومنذ أواسط السبعينيات شرعوا في قضم أجزاء من التراب المغربي، واستولوا على مساحات سابقة من فجيج، وأخرى ببوعنان وثالثة بالحمادة ببودنيب ورابعة بالطاوس نواحي الريصاني ومازال التطاول مستمرا.
تزامن اقتحام الجزائر للتراب المغربي في الجنوب الشرقي للمملكة مع إحراز البلاد لانتصارات قاتلة لخصوم الوحدة الترابية وفي مقدمتهم الجزائر، وبدأ ذلك بالدخول المظفر والرائع للمغرب إلى صحرائه سنة 1975، وضمه لوادي الذهب سنة 1979 في إطار حق الشفعة ولن ينتهي بطرد جماعة الانفصال بتلك الطريقة المذلة من معبر الكركرات، ففي كل انتصار مغربي كانت الجزائر تنفس عن توتراتها العميقة بمراجعة اتفاقية الحدود المبرمة بين المغرب والجزائر في تلمسان والرباط بين سنتي 1969 و1972، فبعد كل هزيمة مرة تراجع اتفاقية الحدود لعل وعسى تجد فيها ما يشفي غليلها ويبرد نارها، تماما كالتاجر المفلس، فبعد إفلاسه يفتش في دفاتره القديمة.
فما ظروف إبرام هذه الاتفاقية ولماذا يتعمد المغرب إطالة أمدها؟
أشرف على هذه الاتفاقية من الجانب المغربي الجنرال أوفقير، وبدأ التهيء لها في عام 1969 بتلمسان وتم التوقيع عليها بتاريخ 15/6/1972 بالرباط، أي قبل شهرين فقط من وفاة أوفقير في 16/8/1972 عقب انقلابه الدموي الفاشل في نفس السنة الشيء الذي يبين أن ما سمي باتفاقية الحدود عقدت في ظرف كان الجنرال محمد أوفقير يستعد للاستيلاء على الحكم، وأن هذه التنازلات التي تمت لصالح الجزائر لربما كانت في هذا الإطار، وترتيبا على ذلك فإن اتفاقية هذه ظروفها ومواصفاتها لا يمكن للمغاربة أن ينتظروا منها الشيء الكثير، ومن المنطقي جدا أن تلحق أضرارا جمة بالبلاد ورقعتها الجغرافية الطبيعية والتاريخية.
لقد نجح أوفقير في تقديم تنازلات كبيرة للجزائريين، مستغلا حالة الاستثناء التي كانت توجد عليها البلاد آنذاك، ففرطت الاتفاقية في الصحراء الشرقية وبعض التراب المرتبط بها، وسعى الجنرال أوفقير إلى محو معالم قيادة دوي منيع التي تعد إدارة مغربية لسكان الصحراء الشرقية المستقرين بالمملكة، ويحكى أن الجنرال أوفقير عقب إنهاء المعاهدة التمس من جلالة المغفور له الحسن الثاني حذف هذه القيادة لأنه بعد الاتفاقية لم يعد لها مبرر للوجود، فرفض الملك الاقتراح و أجابه: «إن شجرة غرسها محمد الخامس لا يمكن للحسن الثاني أن يقتلعها»، وهكذا يتضح أن هذه الاتفاقية كانت مؤامرة اشترك فيها أوفقير والنظام الجزائري ليس فقط للاستيلاء على التراب المغربي بل لإدخال البلاد في دوامة من الفوضى وعدم الاستقرار وإقامة نظام عسكري شبيه بنظام الجنرالات بالجزائر، يدور في فلكهم ويأتمر بأوامرهم و كانت اتفاقية الحدود عربون أوفقير وصكه على بياض للنظام الجزائري الذي يحقد كثيرا على النظام الملكي في المغرب ويعتبره منافسه على زعامة الاتحاد المغاربي وإفريقيا، لذلك قال بومدين قولته الشهيرة لمعارضين مغاربة “أنا أو الحسن الثاني”.
والسؤال الذي يتردد عقب اقتحام العرجة بفجيج: لماذا يتمسك المغرب بهذه المعاهدة؟ في غياب موقف رسمي، أظن أن الظرف لا يسمح اليوم بفتح جبهة جديدة مع الجزائر في الجهة الجنوبية الشرقية، فعلى الرغم من أن الاتفاقية حدد فسخها من هذا الجانب أو ذاك في ظرف عشرين سنة من إبرامها، وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقية هي في صالح الجزائر، وهي الأولى بالحرص عليها والصبر على الفتات القليل الذي بقي خلف خطوطها، ومع ذلك نجدها هي المتحرشة، والخاسر فيها، وهو المغرب نراه صابرا مرجحا للعقل وحسن الجوار مع جار لا مثيل له في العالم، فإلى جانب ما قيل من رغبة النظام الجزائري المسيج بالحراك والمحرج انتخابات مخدومة ومفبركة لم تعطها الشرعية اللازمة وأصبح همه الأساس البحث عن عدو خارجي صوره لشعبه منذ عقود في جاره المغرب، إلى جانب ذلك أعتقد أن الجزائر وبعد الانتصارات الدبلوماسية التي حققها المغرب، وبعد اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء وتغير مواقف دول وازنة في هذا الموضوع، لهذا السبب أو ذاك، قد يكون هو جبل تروبيك أو فرض المغرب نفسه كمعبر لا غنى عنه للولوج إلى إفريقيا، فإن الجزائر أمام انسداد الآفاق أمامها تريد كسب اتفاقية الحدود وإنهاء أمرها بهذا الشكل الذي قصدت إرفاقه بحملة إعلامية كبيرة كشكل من أشكال إشهاد العالم، لكن هل ستنجح في ذلك وديباجة اتفاقية الأخوة وحسن الجوار المبرمة في إفران وتلمسان والموقعة بالرباط تحيل ديباجتها على معاهدة للا مغنية لسنة 1845 واتفاق باريس لعام 1901، وهذه الديباجة تتضمن في أحشائها ما يتعارض مطلقا مع بعض بنودها.