في إطار مواصلة إنشاء المؤسسات والهيئات اللازمة لورش إصلاح العدالة، وتطبيقا لنص المادة 53 من القانون التنطيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية الصادر سنة 2016، نشرت وزارة العدل، مؤخرا مشروع قانون رقم 38.21 القاضي بتحديد تأليف المفتشية القضائية واختصاصاتها وقواعد تنظيمها وحقوق أعضائها وواجباتهم، بهدف الإطلاع بمهام المجلس وممارسة التفتيش القضائي لمحاكم المملكة.
كما أن هذا القانون يتكون من 06 أبواب موزعة على 35 مادة، خصص الباب الأول لأحكام عامة، والثاني لتأليف المفتشية العامة، والثالث لاختصاصاتها والرابع لقواعد تنظيمها، والخامس للحقوق والواجبات، بينما خصص الباب السادس والأخير لمقتضيات ختامية.
في هذا الصدد، كشف الأكاديمي أنس سعدون دكتور في الحقوق وعضو نادي قضاة المغرب. أبرز المقتضيات والحيثيات القانونية التي جاء بها مشروع قانون رقم 38.21، على مستوى الأحكام الشكلية والموضوعية.
على مستوى الشكل
وأفاد على أنه يلاحظ : “وقع تغيير طفيف من حيث الشكل على مشروع القانون الجديد. فبالمقارنة مع مسودته التي نشرت سابقا، يلاحظ أنه تم حذف مذكرة التقديم، وإعادة ترتيب الأبواب التي كانت خمسة وأصبحت ستة، بعد إفراد باب خاص لقواعد تنظيم المفتشية، بعدما كانت واردة ضمن نفس الباب المخصص لاختصاصات المفتشية”.
كما تم تخفيض عدد الفصول من 36 الى 35، وذلك بعد حذف فصل، كان ينص على سريان النظام الأساسي لموظفي المجلس الأعلى للسلطة القضائية على كافة الموظفين العاملين بالمفتشية العامة، وإعادة ترتيب فصل يتعلق بإمكانية انجاز مهمة تفتيش مشتركة بين المفتشية العامة التابعة لوزارة العدل والمفتشية العامة للشؤون القضائية، حيث تم نقل مضمون هذا الفصل من الباب المتعلق بمقتضيات ختامية الى الباب المتعلق بقواعد تنظيم المفتشية.
في نفس السياق، يلاحظ أن النص جاء خاليا من أي ادماج لمقاربة النوع الاجتماعي من حيث اللغة، التي بقيت ذكوريا بامتياز في تناولها لواجبات القضاة/المفتش العام/المفتشين المساعدين/الموظفين/نائب المفتش العام.. دون استعمال ثاء التأنيث.
على مستوى المضمون
وشدد الأكادمي على أنه تم تدقيق نطاق تطبيق القانون بإضافة فقرة لم تكن واردة في المسودة تتعلق بسريان هذا النص ليشمل أيضا كافة قضاة محاكم الدرجة الأولى والدرجة الثانية، وهو ما يعني الإبقاء على الوضع الحالي الذي يستبعد محكمة النقض من الخضوع الى التفتيش، كما يطرح سؤال حول مدى إمكانية اخضاع القضاة العاملين في بعض المحاكم المتخصصة الأخرى والتي لم يشملها التنظيم القضائي لنطاق عمل المفتشية العامة للشؤون القضائية، من بينها مثلا القضاة العاملون بالمحكمة العسكرية، المعينون من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
وتطبيقا للمادة 53 من قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية، يعين المفتش العام بظهير من الملك من بين ثلاثة قضاة من الدرجة الاستثنائية، باقتراح من الرئيس المنتدب بعد استشارة أعضاء المجلس لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، غير أنه يمكن وضع حد لهذا التعيين قبل انصرام هذه المدة.
ومن خلال هذا المقتضى، يلاحظ أن المشروع انتصر لمنهجية التعيين المباشر عوض فتح مجال التباري حول منصب المفتشية العامة على خلاف مناصب الإدارة القضائية وبعض المهام، كما يلاحظ أنه تم اغفال وضع شروط موضوعية في طريقة تعيين أطر المفتشية حيث تم الاقتصار على شرط أقدمية معينة، والسلطة التقديرية الواسعة لجهة الاقتراح والتعيين، والخبرة التي لم يتم تحديدها بعناصر واضحة.
طبيعة جهاز المفتشية العامة
وعلى صعيد أخر، أبرز الأستاذ أنس طبيعة جهاز المفتشية العامة، حيث شدد على أن المشروع كرس استقلال المفتشية العامة للشؤون القضائية عن وزارة العدل، لكنه أسس لعمل هذا الجهاز كمساعد للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، حينما نص وبشكل صريح على أن المفتشية العامة من الهياكل الإدارية للمجلس، وتتبع له في أداء مهامها، كما أن بنياتها الإدارية تحدد بقرار من الرئيس المنتدب يعرض على تأشيرة السلطة الحكومية للعدل.
ويذكر أنه سبق لجمعية نادي قضاة المغرب، أن رصدت في بياناتها مجموعة من الاختلالات في عمل جهاز المفتشية العامة، من قبيل حرمان القضاة من حقوق الدفاع أمام جهاز المفتشية، سواء تعلق الأمر بالحق في مؤازرة محام، أو الحق في الحصول على نسخة من محضر الاستماع، أو الحق في الحصول على نسخة من استدعاء المفتشية ومعرفة موضوع الاستماع، أو الحق في استنساخ وثائق الملف، وغالبا ما كانت الجهات المعنية تستند على تبرير واحد وفريد
كما أن غياب إطار قانوني يوفر هذه الحقوق في ظل غياب قانون موحد للمفتشية. لكن بالاطلاع على مشروع القانون يلاحظ أنه أغفل بدوره التنصيص على هذه الحقوق التي تعتبر بطبيعتها بديهية لارتباطها بحقوق الدفاع المنصوص عليها في صلب الدستور وبضمانات المحاكمة التأديبية العادلة التي تتصف بالكونية، وتبدأ مند مرحلة التفتيش القضائي، ولعل هذا الاغفال سيؤدي الى استمرار عدم تمتيع القضاة بهذه الحقوق أمام المفتشية العامة اعتمادا على نفس المبررات السابقة.
مضامين المشروع
ولفت إلى أن مضامين المشروع، ركزت على الجانب التقني وأغفلت جوانب أخرى ترتبط بالمفهوم الجديد للتفتيش القضائي الهادف لجعل التفتيش التسلسلي والمركزي على حد سواء، أداة ناجعة وفعالة ليس لتعقب الأخطاء وإقامة الدليل، بل أداة لتعزيز ملكة الاقتراح والتأطير، مع التقيد التام بمبدأ استقلال القضاء لينهض بدوره المتمثل في التشخيص وتقديم مقترحات وحلول واضحة تقييما ومراقبة، للرفع من مستوى أداء سير المحاكم وحماية حقوق المتقاضين باعتباره جوهر وهدف العملية القضائية.
وأخيرا وأمام عدم شمولية قانون التفتيش القضائي فإن ذلك يستلزم ضرورة توسيع دائرة المشاورات حول هذا المشروع على المستوى القريب، والتفكير أيضا في تدعيمه بدلائل استرشادية مساعدة من قبيل ميثاق أخلاقي لنظام التفتيش ودليل للقاضي في مرحلة التفتيش، والحرص أيضا على شفافية مؤسسة التفتيش القضائي من خلال نشر تقاريرها للعموم.