عاد موضوع التوقيت الصيفي ليطفو مجددًا على السطح ويثير الكثير من الجدل بين الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني. حيث اعتبر العديد من الفاعلين أن “العمل بالساعة الإضافية (غرينيتش +1)” يُعد بمثابة فرض أمر واقع ترفضه شريحة واسعة من المواطنين، في ظل غياب دراسة مفصلة حول تأثير هذا التغيير على الحياة اليومية للمغاربة. ويبدو أن الحكومة تُصر على تطبيق هذا التوقيت دون الأخذ بعين الاعتبار الآثار السلبية التي قد تترتب على المواطنين.
على الرغم من تزايد الأصوات المعارضة لهذا التوقيت، يظل المسؤولون يتخذون قراراتهم استنادًا إلى مبررات قد تكون اقتصادية أو تتعلق بالمصلحة الوطنية، ولكن دون تقديم معطيات واضحة تبرر فرض هذا التوقيت على المواطنين بشكل دائم. ويمثل هذا نوعًا من التجاهل للمطالب الشعبية المستمرة، ما يثير تساؤلات حول مدى اهتمام الحكومة برأي المواطن وحقوقه في المشاركة في صناعة القرارات التي تؤثر عليه.
ويُلاحظ أن هناك غيابًا لشفافية الحكومة في اتخاذ هذا القرار، فبالرغم من وعود الحكومة السابقة بإجراء دراسة شاملة حول تأثير التوقيت الصيفي، إلا أن هذه الدراسة لم تظهر إلى النور. هذا الافتقار للشفافية يعزز من شكوك المواطنين بشأن الأهداف الحقيقية من وراء تطبيق التوقيت الصيفي. ففي حال كانت هذه التغييرات مبنية على دراسات علمية واضحة تبرر فوائدها، كيف يمكن تفسير غياب الدراسة الثانية التي كانت وعدًا من الحكومة؟
من الأبعاد التي لا يمكن إغفالها في هذا الجدل هو التأثير النفسي والاجتماعي الذي يُحدثه التوقيت الصيفي على المواطنين. فالتغيير المستمر للساعة في فصلين مختلفين من السنة يخلق حالة من الارتباك والتوتر النفسي، خاصة للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات في النوم أو لأولئك الذين يعتمدون على نظام دقيق في حياتهم اليومية. كما أن هذا التغيير المستمر قد يؤدي إلى مشاعر اللامبالاة بين فئات واسعة من الناس الذين أصبحوا يشعرون بأن الحكومة لا تستمع لهم.
ما يزيد من تعقيد القضية هو أن الحكومة لا تُظهر تفاعلًا حقيقيًا مع النقاشات المجتمعية بشأن التوقيت الصيفي. هذا الصمت قد يُفهم على أنه “تجاهل” للرأي العام، وهو ما يخلق انطباعًا بأن الحكومة تُقرر بناءً على مصالحها الخاصة دون أي اعتبار لما يراه المواطنون مناسبًا. من المهم أن نُلاحظ أن هذا الموضوع يثير اهتمامًا واسعًا بين فئات متعددة من المجتمع، بما في ذلك الأكاديميين والحقوقيين والمواطنين العاديين، ورغم ذلك يظل هذا الجدل دون حل أو تفاعل فاعل من السلطات.
في الجانب الآخر، قد يُستند التوقيت الصيفي إلى حجج اقتصادية، مثل تحسين الإنتاجية في قطاع الأعمال، وتوفير الطاقة، والتنسيق مع الأسواق الدولية. إلا أن هذه المبررات لا تُظهر دائمًا آثارًا واضحة وملموسة على مستوى الاقتصاد الوطني. ففي حين أن بعض الدراسات قد تشير إلى فوائد معينة، فإن هذه الفوائد تظل غير ملموسة للجميع. ويبدو أن هناك تجاهلًا للجانب البشري في هذه المعادلة: هل المصلحة الاقتصادية يجب أن تأتي على حساب الراحة النفسية والصحية للمواطنين؟
من خلال سياسة “فرض الأمر الواقع” التي تنتهجها الحكومة، يتبين أنها تتخذ قرارات ذات طابع إجرائي دون الاستناد إلى توافق مجتمعي واسع. ويبدو أن الحكومة تفتقر إلى التفكير الاستراتيجي الذي يراعي التنوع في الآراء والمواقف الاجتماعية والسياسية. في سياق الديمقراطية التشاركية، من الضروري أن تكون السياسات متسقة مع رغبات المواطنين وأن تُبنى على أسس علمية ودراسات معمقة تستند إلى الواقع الاجتماعي والاقتصادي.
من أجل تخفيف حدة هذا الجدل، يجب على الحكومة أن تسعى إلى فتح نقاش عام حول هذا الموضوع، وأن تكون أكثر شفافية في عرض المعطيات والدراسات المتعلقة بالتوقيت الصيفي. كما يجب أن تُعرض الآثار الإيجابية والسلبية لهذا القرار بشكل شامل وواضح. في حال كانت الفوائد المرجوة لا تتماشى مع رغبات المواطنين أو لا تحمل تأثيرات إيجابية ملموسة، يجب إعادة النظر في هذا التوقيت والتوجه نحو حلول بديلة تلبي حاجات المجتمع.
بشكل عام، يبدو أن قضية التوقيت الصيفي في المغرب تتجاوز مجرد جدل حول تعديل الساعة، إذ إنها تكشف عن سياسة حكومية تتسم بعدم الشفافية والتواصل مع المواطنين. من المهم أن يكون هناك توازن بين المصلحة الاقتصادية والحقوق الإنسانية للمواطنين، وأن يتم الاهتمام بالتأثيرات النفسية والاجتماعية لهذا القرار. وهذا يتطلب من الحكومة اتخاذ خطوات أكثر جدية في إشراك المواطنين في صناعة القرارات التي تؤثر على حياتهم اليومية.