شباب المغرب بين فقدان الثقة وتطلع لمواطنة فاعلة (تقرير)

0

وسط تصاعد مؤشرات العزوف السياسي والاجتماعي، برز تقرير وطني حديث ليسلّط الضوء على الفجوة المتزايدة بين الشباب المغربي والمؤسسات الرسمية، في ظل تراجع حاد في الثقة وشعور عام بانعدام الجسور الفعّالة للتواصل والمشاركة. التقرير الذي أنجزته جمعية “المواطنون” بعنوان “كيف يرى الشباب الالتزام المواطن؟”، جاء نتيجة جولة ميدانية شملت مختلف جهات المملكة، حيث نُظّمت 49 جلسة نقاش ضمن سلسلة “مقاهي المواطن”، واستُمع خلالها إلى آراء أكثر من 1100 شابة وشاب يمثلون شرائح اجتماعية وخلفيات متعددة.

وأظهرت نتائج التقرير أن أكثر من 70% من الشباب لا يثقون في المنتخبين والمؤسسات العمومية، ما يعكس أزمة عميقة في العلاقة بين الأجيال الصاعدة والفاعل السياسي والمؤسساتي. وعلى الرغم من هذا النفور، عبّر الشباب عن استعداد للانخراط في العمل من أجل المصلحة العامة، لكن من خلال قنوات بديلة، إذ أشار 72% منهم إلى تفضيلهم العمل الجمعوي كأداة للتغيير، فيما ذكر 64% أنهم سبق لهم المشاركة في حملات رقمية للترويج لقضايا ذات طابع اجتماعي أو سياسي.

الفجوة لا تقتصر على ضعف الثقة فقط، بل تمتد لتشمل غياب فاعلية أدوات المشاركة، حيث يرى أقل من نصف المستجوبين أن الآليات المتوفرة اليوم تتيح لهم التأثير الحقيقي. ويكشف التقرير أن الانسحاب من الحياة العامة لا يكون دائماً نتيجة رفض صريح، بل يتجلى غالباً في سلوك انسحابي نابع من الإحساس بعدم الجدوى واللامبالاة، وهو ما يعزوه التقرير إلى جملة من العراقيل، منها تعقيد المساطر، ضعف التفاعل المؤسسي، وصعوبة الولوج إلى المعلومة، إضافة إلى غياب المنصات الجاذبة والفعالة.

ورغم هذه المعضلات، يبرز التقرير وجهاً آخر أكثر تفاؤلاً يتمثل في بروز مبادرات شبابية مستقلة وذات طابع مواطن، مثل حملات نظافة، أنشطة موجهة للأطفال، وصفحات للتوعية على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى إنتاج محتوى مدني عبر منصات مثل البودكاست واليوتيوب. غير أن هذه المبادرات غالباً ما تُقابل بغياب الدعم أو التجاوب الرسمي، ما يخلق شعوراً بالتهميش ويزيد من الإحباط لدى الشباب المبادر.

كما أبرزت المعطيات أن 67% من المشاركين يشعرون بالحاجة إلى تكوينات ومواكبة ملموسة لتفعيل مشاريعهم المواطِنة، فيما أشار التقرير إلى ضعف حضور المؤسسات العمومية على المنصات الرقمية، بالرغم من أن 68% من الشباب يشاركون بانتظام في النقاشات السياسية والاجتماعية عبر هذه الوسائط. أما الوسائل الرسمية المتاحة، كمنصات الشكاوى أو التشاور، فلا تزال تعاني من ضعف التأثير أو صعوبة الاستعمال، إذ أكد فقط 36% من المستجوبين أنهم تلقوا استجابات ملموسة من الجهات المعنية.

في المجمل، لا يشير التقرير إلى رفض الشباب لفكرة المشاركة بحد ذاتها، بل إلى رغبتهم في إصلاح عميق لآلياتها، بما يجعلها أكثر شفافية، واقعية، ومرونة. كما يسلّط الضوء على الفوارق بين شباب المدن ونظرائهم في المناطق القروية والهامشية، ما يؤدي إلى تجليات متفاوتة للمواطنة. ودعت جمعية “المواطنون” في ختام تقريرها إلى إعادة بناء الثقة من خلال شراكة متوازنة بين الشباب والمؤسسات، قائمة على الاعتراف، الدعم، وتبسيط الإجراءات، إضافة إلى إرساء ثقافة المواطنة الفاعلة ضمن المنظومة التعليمية والمجتمعية ككل.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد