الحدث بريس : الصادق عمري علوي.
اختارت الفنانة المغربية الاحتفاء ب ” تيمة ” النور والضوء وتجليهما الباهر ، مجسدي المباني في فضاء اللوحة ، عميقي المعاني ، يطفحان بالغرابة ، ويحيلان على فضاءات السمو، تاركين أثرا على المشاهد ( المتلقي ) لما يقتحم وميض النور الألوان الدافئة ، ويلتقي وهج النار المنطلقة بأشكالها الهندسية عبر امتداد اللوحة …
تعد التجربة التشكيلية لإلهام العراقي عمري ذات طبيعة خاصة ، وهي من الوجوه الفنية المغربية النسائية التي برزت و فرضت حضورها كفنانة متميزة ، بالساحة التشكيلية المغربية والعالمية ، من خلال إبداعاتها التي نالت عن جدارة واستحقاق – خلال المعارض التي اقامتها او الصالونات العالمية التي شاركت فيها – إعجاب واحترام النقاد وعموم المهتمين بالفن التشكيلي .
ففي المعرض الدولي الذي أقيم بباريس بصالون ” شان جليزي ” ” صالون الخريف ” أبانت الفنانة التشكيلية المغربية إلهام العراقي عمري ، عن تفرد تجربتها الفنية عند اختيارها تيمة “الوقت” عبر سلسلة لوحات تجريدية ، بالصباغة الزيتية، احتفت بعناصر النور و الضوء، باعتبارهما شيئا جوهريا لا ماديا، فالوقت الذي جسدته المبدعة عمري في لوحة ” الساعة الرملية ” مثلا يمر خلسة بشكل خاطف ، دون إدراك منا وفي غفلة من ذواتنا ، لتنقلنا و دون شعور لزمن مطلق ، يسمو على الزمن التاريخي التراتبي الممل .
اهتمام إلهام عمري بالفن التشكيلي منذ سنوات ، ومثابرتها داخل مرسمها الحميم … أتاح لها تطوير إمكاناتها وقدراتها الفنية ، واختياراتها لعناصر الجمال ، في إيجاد وتجويد مكونات عالمها الابداعي الخاص ، مما جعل العديد من الاعلاميين ، والنقاد عربا ،وغربيين يهتمون بتجربتها الفريدة .
وصفت الناقدة الفنية ” بثينة أزمي” تجربة إلهام وهي تتحدث عن تيمة “النور الوهاج قائلة :
“، إنها عبارة عن سلسة من اللوحات الزيتية تجريدية المنزع، دافئة أشبه بطفرات ، أو تدفقات الحمم البركانية، وتنهض طاقتها الإبداعية، مثل كائنات غريبة ملتهبة ثائرة”. وأضافت أن هذه السلسلة جرى اختيارها للعرض في صالون الخريف سابق بباريس ” .
و استطردت الناقدة قائلة ” … الفنانة إلهام تبدأ الفكرة ، بالانتقال التدريجي من الرؤية إلى الرؤيا، لتجد صداها داخل مساحة الفن، وفي تجربتها ينمو الفن صادقا وأصيلا، يمثل في لوحاتها أبعادا جمالية. تولي اهتماما خاصا لأسرار الضوء والنار في توهجها وفي جذوة رمادها، وأنوارها المتدفقة، حيث نجد في كل مشهد إحالة على الأحمر القاني والأصفر الفاقع، والأخضر البارد، إضافة إلى الأزرق. إن فنها بتعبير عبد الكريم الخطيبي متعة يقظة وماكرة، بل هو ابتسامة المبدعين القلقة “.
يشتغل اللون في لوحاتها الصباغية كل رموز القوة والإيهاب، بشكل يشد المتلقي نحو عوالم ذاتية تدفع إلى تفحص بناءاتها وإنشاءاتها المؤسسة على تضاد شكلي ولوني مفعم بالعديد من المعاني والدلالات الجمالية.”
وخلصت الناقدة ” بثينة أزمي ” في قراءتها لأعمال إلهام عراقي إلى أن البعد الروحي يتردد في جل أعمالها، ومن هذا المنطلق فهي تعيش حرة في تجريديتها، حيث لم يبق إلا الجوهر. “
تعددت الكتابات النقدية العالمية التي سلطت الضوء على تجربة الفنانة التشكيلية إلهام عمري العراقي.منها ماقاله الناقد الفرنسي، ” ميشيل هيرجيبو ” أن :
” أعمالها تحيل على معاني الجمال، فوجودها معادل لحياة النور، نعتقد أن الفن يتحدث لغة تكشف عن أسرارها ليلا، حيث تتبدى لنا الخيالات على القماشة تدرك السمو، في انسجام مع الشمس وتحولاتها، تقنيتها الصباغية تسجل هجرة أفقية إلى الضوء المشع من قلب اللوحة”.
وعن منجزها التصويري أيضا تقول الناقدة الفنية، والكاتبة الإسبانية، “إيزابيل تريمو ” :
” إن العراقي تقتات من نار أحاسيسها المحركة للجذور، تتغذى بقوة وطاقة اللهب المتراقص السرمدي على رؤوس فرشاتها، كائن وحيد قادم من غابر الأزمان يبدو وكأنه يبوح بأسرار جذوره، وأضافت لا يمكننا عزل شخصية إلهام عن أعمالها الفنية، تبدو وكأنها، بشغفها، في أعمالها ولوحاتها هي الصورة ذاتها الجاذبة المفعمة بالانفعالات، فكل آثارها التشكيلية بمثابة قاموس لعلامات فياضة وصارخة تمكنت الفنانة من المزاوجة بين التحكم الجمالي في أجوائها الإيحائية وفوضى الحواس التي تتملك جوارحها بشكل يعيد تمثيل ما تتخيله العين الرائية وتستحضره الذاكرة الذهنية. “
هنا تتجلى روعة الفن التشكيلي حين يبتعد بك عن فوضى وزحمة الواقع ، ويلقيك في فضاءات الحلم الممزوج بحركة الطبيعة الباهرة بشتى تلاوينها مجسدة في هذا البناء الجمالي البديع ، المنعش للنفس والروح ، والعقل .
تجربة إلهام عمري الفنية ، تفتيت للمألوف ، تركيب متجدد للعلامات والايقونات منتجة لسيرورة لامتناهية ، شلال متدفق من المعاني ، حيث ينبثق النور والضوء في تركيب آسر يكسر أفق التوقعات والتخمينات ، ليبحر بنا في مغامرة فلسفية فكرية ( وجودية ) لاحدود لمتعتها ونبوءاتها القاصفة لمكامن الضعف ، مبرزة قوة تيارات النور والضوء البهيين في النقط والظلال، والخطوط
والابعاد …