البرلمان الجزائري يناقش قانونًا يصف الاستعمار الفرنسي بـ”جريمة دولة” ويطالب باريس بالاعتذار والتعويض

الحدث بريس24 دجنبر 2025
البرلمان الجزائري يناقش قانونًا يصف الاستعمار الفرنسي بـ"جريمة دولة" ويطالب باريس بالاعتذار والتعويض

يستعد البرلمان الجزائري، اليوم الأربعاء، للتصويت على مشروع قانون جديد يهدف إلى إضفاء صفة التجريم على الحقبة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر. مع اعتبارها “جريمة دولة”، والمطالبة باعتذار رسمي وتعويضات عن الأضرار التي خلفها الاستعمار على المستويين المادي والمعنوي.

ووفق مصادر برلمانية، من المتوقع أن يمر المشروع داخل المجلس الشعبي الوطني ما لم تطرأ مستجدات سياسية أو إجرائية تؤثر على مسار المصادقة. ويضع النص فرنسا أمام مسؤولية قانونية عن ماضيها الاستعماري، ويدعوها إلى تحمل تبعاته في إطار الاعتراف والتعويض.

رمزية سياسية… ومحدودية قانونية

ويرى متابعون أن اعتماد هذا القانون، إذا تم، سيحمل قيمة رمزية كبيرة في علاقة الجزائر بفرنسا، لكنه قد لا يكون كافيًا، من الناحية العملية، لإطلاق مسار تعويضات فعلي دون المرور عبر مساطر دولية أو اتفاقيات ثنائية تحدد آليات التنفيذ.

وخلال تقديم المشروع داخل البرلمان، اعتبر رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الجزائرية، أن المبادرة تدخل ضمن ما وصفه بـ”القرار السيادي”، مشيرًا إلى أنها تؤكد أن ملف الذاكرة الوطنية بالنسبة للجزائر لا يخضع للمساومة أو النسيان.

موقف فرنسي متحفظ

في المقابل، امتنعت وزارة الخارجية الفرنسية عن التعليق على مجريات النقاش داخل المؤسسات الجزائرية. وقال متحدث باسم الخارجية الفرنسية في تصريح سابق إن باريس لا تتدخل في النقاشات السياسية التي تجري داخل الدول الأخرى.

باحثون: أثره محلي لكنه يشكل نقطة تحول&lt;/strong></strong>

وبحسب حسني قيطوني، الباحث المتخصص في تاريخ الاستعمار بجامعة إكستر البريطانية، فإن القانون – حتى لو تم تبنيه – لا يملك قوة إلزام فرنسا على المستوى الدولي، لأن تأثيره سيبقى محدودًا ضمن الإطار القانوني الجزائري الداخلي. غير أنه اعتبر أن الخطوة تحمل وزنًا سياسيًا، ويمكن أن تقرأ كمؤشر على تشديد الموقف الجزائري تجاه باريس في سياق تاريخي حساس.

الاستعمار: ملف لا يغيب عن الأزمات الثنائية

وتعد الذاكرة الاستعمارية أحد أكبر نقاط التوتر بين الجزائر وفرنسا. فقد بدأت فرنسا احتلال الجزائر عام 1830، واستمر وجودها لأكثر من قرن، قبل أن تنتهي الحقبة الاستعمارية بحرب الاستقلال (1954-1962). ولا تزال تقديرات الضحايا محل خلاف بين الطرفين؛ إذ تتحدث الجزائر عن 1.5 مليون قتيل، فيما تذهب دراسات ومراجع فرنسية إلى أرقام أقل تشمل ضحايا من الفرنسيين والجزائريين.</p>

وما تزال هذه القضايا تنعكس في التوازن السياسي بين البلدين، خصوصًا مع استمرار الانقسام داخل فرنسا حول فكرة الاعتذار الرسمي، ووجود تيارات تعتبره

تنازلاً غير مقبول.

<strong>ماكرون وخطاب متذبذب

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أثار جدلًا منذ 2017 عندما وصف الاستعمار الفرنسي للجزائر بأنه “جريمة ضد الإنسانية”، داعيًا إلى مواجهة الماضي. إلا أن موقفه في السنوات اللاحقة اتجه نحو المقاربة الرمزية بدل الاعتذار المباشر، خصوصًا بعد تقرير المؤرخ بنجامان ستورا سنة 2021 الذي اقترح خطوات للمصالحة التاريخية.

لكن تصريحات لاحقة لماكرون تسببت في احتقان جديد، بعد ما نسبته صحف فرنسية إليه بشأن تشكيكه في وجود الأمة الجزائرية قبل الاحتلال، وهو ما اعتبرته الجزائر استفزازًا سياسيًا.

توتر جديد بسبب الصحراء المغربية</strong></h4>

ويأتي التحرك الجزائري في ظرف دبلوماسي مضطرب، إذ تمر العلاقات بين البلدين بأزمة متواصلة منذ صيف 2024، بعد اعتراف فرنسا بخطة الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية، ما دفع الجزائر إلى تشديد لهجتها تجاه باريس وتسجيل مواقف أكثر حدّة.

كما زادت التوترات لاحقًا على خلفية قضية الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، الذي أدين وسجن قبل أن يستفيد في نهاية المطاف من عفو رئاسي إثر جهود دبلوماسية قادتها أطراف أوروبية.

<strong>مطالب محددة: الاعتراف والخرائط النووية والأرشيف

ويؤكد مشروع القانون على ما يسميه “الحق الثابت” للجزائر في الحصول على تعويضات شاملة عن الأضرار التي خلفها الاستعمار الفرنسي، كما يلزم الدولة الجزائرية بالعمل على انتزاع اعتراف واعتذار رسمي من باريس.

ويتضمن النص كذلك مطالب مرتبطة بملف التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية بين 1960 و1966، والتي بلغ عددها 17 تجربة، حيث يدعو إلى تنظيف مواقع التفجيرات وتسليم الخرائط الخاصة بها، إضافة إلى معلومات تتعلق بالتجارب الكيماوية والألغام المزروعة خلال تلك الفترة.

كما يشمل المشروع الدعوة لاسترجاع الممتلكات المنقولة والأموال التي يقول إنها نُقلت من الجزائر، بما في ذلك الوثائق والأرشيف الوطني.

عقوبات ضد “ترويج الاستعمار

ومن أبرز ما يتضمنه المشروع أيضًا نصوص عقابية تستهدف كل من يروج للاستعمار أو ينكر وصفه كجريمة، إذ يقترح عقوبات بالسجن وإجراءات تمنع المعنيين من بعض الحقوق المدنية والسياسية.

وكانت الجزائر قد طرحت قضية تجريم الاستعمار في مناسبات مختلفة خلال السنوات الماضية، إلا أن المبادرات السابقة لم تصل إلى مرحلة إصدار قانون رسمي، وهو ما يجعل التصويت المقبل محطة مفصلية في مسار هذا الملف.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.