يعتبر التغير المناخي من أبرز القضايا التي تواجه العالم في القرن الواحد والعشرين، إذ تزايدت تداعياته بشكل واضح على البيئة والمجتمعات البشرية. تظهر الآثار السلبية للتغيرات المناخية بشكل كبير على المجتمعات الضعيفة اقتصاديًا، حيث تصبح أكثر عرضة للمخاطر الناتجة عن الجفاف، الفيضانات، والتقلبات المناخية الأخرى. في المقابل، يشهد المجال السياسي الدولي تحولات جذرية تتعلق بكيفية التعامل مع هذه الظاهرة، إذ تؤثر التغيرات المناخية بشكل كبير على السياسات الخارجية للدول الكبرى، خاصة فيما يتعلق بالاتفاقات الدولية والبيئة.
فيما يخص المجتمعات المحلية الضعيفة اقتصاديًا، تتزايد الآثار السلبية للتغير المناخي بشكل كبير. على سبيل المثال، وفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2020، يُتوقع أن يواجه نحو 143 مليون شخص في مناطق أفريقيا جنوب الصحراء وآسيا وأمريكا اللاتينية تداعيات التغيرات المناخية مثل الجفاف والفيضانات، مما يعمق من معاناتهم الاقتصادية ويزيد من مستويات الفقر. تعتبر الزراعة المصدر الرئيسي لدخل العديد من هذه المجتمعات، وعندما تؤدي التغيرات المناخية إلى تدهور المحاصيل بسبب الجفاف أو ارتفاع درجات الحرارة، فإنها تزيد من مستويات انعدام الأمن الغذائي وتفاقم الفقر. تسببت حالات الجفاف الطويلة التي شهدتها بعض المناطق في المغرب والجزائر في تقليص المساحات الزراعية الإنتاجية، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في تلك المناطق.
أما الفيضانات، فقد أظهرت دراسات حديثة أن 1 من كل 10 أشخاص في المناطق الساحلية المعرضة للفيضانات في العالم قد يصبحون بلا مأوى في السنوات القليلة القادمة، مما يؤدي إلى تدمير البنية التحتية وتدهور الظروف المعيشية. في كثير من الأحيان، تكون هذه الفيضانات أكثر تأثيرًا على المناطق الفقيرة التي تفتقر إلى البنية التحتية المناسبة لمواجهة هذه الكوارث، مما يؤدي إلى المزيد من الأزمات الإنسانية.
بالإضافة إلى ذلك، التغيرات المناخية لها تأثيرات عميقة على السياسات الدولية، حيث أصبحت قضية المناخ إحدى القضايا المحورية في العلاقات بين الدول الكبرى. أظهرت دراسة نشرها برنامج الأمم المتحدة للبيئة في 2019 أن الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، الصين، والدول الأوروبية أصبحت تحت ضغوط متزايدة للحد من انبعاثات الكربون والامتثال للاتفاقات البيئية. أحد أبرز الأمثلة على هذا التوجه هو اتفاق باريس للمناخ، الذي وقع عليه أكثر من 190 دولة في عام 2015، حيث تعهدت الدول بتقليل انبعاثاتها الكربونية بمعدل 40% بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات 1990. كما تم تحديد هدف رئيسي في الاتفاق، وهو الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية دون 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وهو هدف يشكل تحديًا حقيقيًا نظرًا للأوضاع الحالية.
التغيرات المناخية تُعدّ الآن عاملًا أساسيًا في رسم السياسات الخارجية للدول الكبرى، لا سيما في مجال الطاقة المتجددة. في هذا السياق، شهدنا تحولات في السياسات الدولية المتعلقة بتخفيض الانبعاثات الكربونية والتوجه نحو الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. الصين، على سبيل المثال، أصبحت رائدة في الاستثمار في الطاقات المتجددة، حيث تشير التوقعات إلى أن الصين ستستثمر نحو 360 مليار دولار أمريكي في قطاع الطاقة النظيفة بحلول 2025، في محاولة لتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري.
من جهة أخرى، يشهد التعاون بين الحكومات الدولية تحولًا ملموسًا، حيث تكثف الدول الكبرى من جهودها لمكافحة آثار التغير المناخي. في عام 2021، على سبيل المثال، استضافت المملكة المتحدة قمة “COP26” في غلاسكو، التي سعت إلى تجديد التزام الدول الكبرى بمكافحة تغير المناخ، وتحقيق أهداف صفر الانبعاثات بحلول 2050. ومع ذلك، ورغم هذه الجهود، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه العالم في تحقيق هذه الأهداف بسبب تباين المصالح الاقتصادية والسياسية بين الدول الكبرى، وخاصة تلك التي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على الصناعات الثقيلة.
كما أن التغيرات المناخية قد تؤثر على الأمن الدولي، خاصة في مناطق العالم التي تواجه تهديدات بيئية شديدة. قد يؤدي تدهور البيئة، مثل تراجع الموارد المائية أو ارتفاع منسوب البحار، إلى نزاعات إقليمية حول الموارد، ما قد يفاقم الأزمات السياسية والإنسانية. على سبيل المثال، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تتفاقم مشكلات المياه، يمكن أن تصبح التغيرات المناخية عاملًا مؤثرًا في النزاعات القائمة.
إن التغير المناخي ليس مجرد قضية بيئية، بل هو قضية اقتصادية واجتماعية وسياسية تؤثر بشكل عميق على المجتمعات الضعيفة اقتصاديًا والسياسات الدولية. يجب على الدول الكبرى أن تتعاون بشكل أكبر في معالجة هذا التحدي العالمي، وأن تلتزم باتفاقات بيئية حقيقية لمواجهة التحديات المتزايدة التي قد تؤدي إلى مزيد من التدهور البيئي والاجتماعي. مع استمرار تأثير التغيرات المناخية على مختلف جوانب الحياة، من الضروري تكثيف الجهود العالمية لضمان مستقبل مستدام للجميع.