السياسات الشبابية خارج التغطية: حكومة تتغنى بتمكين الشباب… وواقع يُقصيهم من مفاتيح القرار

مراقب سياسي15 دجنبر 2025
السياسات الشبابية خارج التغطية: حكومة تتغنى بتمكين الشباب… وواقع يُقصيهم من مفاتيح القرار

السياسات الشبابية في المغرب تبدو، في ظاهر الخطاب، متخمة بمفردات التمكين والمشاركة والإنصات، لكنها في واقع التنفيذ تعاني من فجوة متسعة بين ما يُقال في الوثائق الرسمية وما يعيشه الشاب على أرض الواقع من بطالة وهشاشة وتهميش عن دوائر القرار. الأرقام والاحتجاجات الأخيرة معاً تقول إن جيلًا كاملاً يشعر أنه مستهدف بالبرامج أكثر مما هو شريك في صياغتها..

خطاب التمكين… نصوص بلا روح

منذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشباب 2015–2030، قُدمت الدولة كمنخرطة في رؤية شمولية تجعل الشباب “في قلب السياسات العمومية”، مع أهداف معلنة في الإدماج الاقتصادي، والمشاركة السياسية، والتثقيف المدني. ويشير تقرير حول مشاركة الشباب السياسية إلى أن هذه الاستراتيجية نفسها توقفت عملياً ولم تُستكمل، كما أن التوصيات التي خرجت بها “المبادرة الوطنية الجديدة للشباب المغربي” بقيت إلى حد كبير حبراً على ورق.

في المقابل، يواصل المسؤولون الحديث عن مبادرات من قبيل منصات رقمية للحوار مع الشباب، وبرامج مواكبة، ومشاريع حزبية مثل “جيل 2030” التي تُسوَّق كجسور بين الشباب وصناع القرار. غير أن هذه الفضاءات، مهما بدت جذابة في العروض التقديمية، تبقى محدودة الأثر إذا لم تُترجم إلى حضور فعلي للشباب في مواقع الحسم: المجالس المنتخَبة، الهيئات الاستشارية، مراكز القرار داخل الإدارات والمؤسسات العمومية.

شاب في الإحصاءات… غائب عن القرار

بيانات البنك الدولي ومنصات الإحصاء تُظهر أن معدل بطالة الشباب في المغرب (الفئة 15–24 سنة) ظل في حدود 22% سنة 2024، أي أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ حوالي 15.7%، مع تسجيل مستويات قياسية قاربت 27% في سنوات سابقة، بل تخطت 39% في بعض الفصول إذا احتسبنا شباب المدن والجامعيين. هذا الواقع يعني ببساطة أن واحداً من كل خمسة شباب في سوق الشغل بلا عمل، مع نسب أعلى في المدن ولدى حاملي الشهادات.

في السياسة، الوضع ليس أفضل بكثير؛ تقارير عن المشاركة الشبابية تفيد بأن تمثيل الفئة دون 35 سنة في البرلمان والمجالس الجماعية يبقى ضعيفاً، وأن الأحزاب تستعمل الشباب غالباً كواجهة انتخابية أو آلات تعبئة، لا كأطر تُمنح لها مفاتيح القرار التنظيمي أو الترشيحات في الدوائر “المضمونة”. الفجوة هنا صارخة: حكومة تتحدث عن “رأسمال بشري شاب”، لكنها تُبقي هذا الرأسمال عند أبواب مراكز القرار..

حراك جيل Z… استفتاء على فشل السياسات

خروج آلاف الشباب في حراك “جيل زد 212” منذ شتنبر 2025، في أكبر موجة احتجاج منذ 2011–2012، كان بمثابة استفتاء عملي على مدى فشل السياسات الشبابية الرسمية. تقارير إعلامية دولية ووثائق تحليلية تؤكد أن هذه الاحتجاجات، التي شملت أكثر من 10 مدن، رفعت مطالب واضحة: تعليم عمومي بجودة عالية، صحة في المتناول، عدالة اجتماعية، ومحاربة الفساد، مع انتقاد مباشر لخيارات الحكومة في صرف مليارات على ملاعب كأس العالم مقابل تردي الخدمات الأساسية.

وعكست طريقة تنظيم هذه الاحتجاجات – عبر منصات رقمية مثل تيك توك وديسكورد، ومن خلال مجموعات غير هرمية كالـ“GenZ 212” – أيضاً عمق أزمة الثقة بين الشباب والأطر التقليدية للتمثيل (أحزاب، نقابات، جمعيات). حين يختار جيل بأكمله الشارع بدل مجلس الشباب أو الشبيبة الحزبية، فهذا يعني أن كل لغة “التمكين” الرسمية لم تنجح في إقناعه بأنه شريك في صنع القرار.

برامج كثيرة… عدالة قليلة

وأشارت أوراق بحثية حول السياسات الشبابية في المغرب إلى أن الدولة راكمت منذ بداية الألفية العشرات من البرامج: كدعم المقاولة الذاتية، وتشغيل الخريجين، وبرامج تكوين وإدماج، وفضاءات للشباب، ومبادرات للمشاركة الثقافية والمدنية. على الورق، تبدو هذه البرامج متكاملة؛ لكنها في الواقع تعاني من:

  • التجزيء والتكرار، حيث تُستنسخ نفس الفكرة بأسماء مختلفة دون تقييم جدي للنتائج.
  • التركيز على الإدماج الاقتصادي في شكله التقني (تدريب، قروض صغرى) دون معالجة شروط العدالة في الولوج إلى الفرص ومناخ محاربة الريع والواسطة.

وخلص تقرير تحليلي حول “السياسات الشبابية والعدالة الاجتماعية” إلى أن أغلب هذه البرامج لم تمس جذور الإقصاء: منظومة تعليمية مفرّزة للهشاشة، سوق شغل ضيق ومركَّز مجاليا، وحقل سياسي مغلق أمام تجارب جديدة، ما يترك الشباب في وضع “زبون محتمل” لبرامج الدعم، لا كمواطن يملك قدرة حقيقية على تغيير القواعد.

الفجوة بين الصورة والواقع

مبادرات مثل “جيل 2030” الحزبية تُقدَّم كنماذج لـ“إعادة وصل” بين الشباب والقرار، بدعوى خلق منصات رقمية وحوارات جهوية تسمح للشباب بإسماع صوتهم واقتراح حلول في مجالات الشغل والتعليم والتحول الرقمي. هذه الخطوات، في ذاتها، ليست سلبية؛ لكنها تصطدم بثلاث حقائق:

  • غياب آليات مُلزِمة لربط هذه النقاشات بقرارات حكومية وتشريعية ملموسة.
  • بقاء مفاتيح القرار الفعلي في أيدي نخب تقليدية تتجاوز 50 و60 سنة، داخل الأحزاب والبرلمان والحكومة.
  • شعور متزايد لدى الشباب بأن هذه المبادرات تُستعمل كواجهة تواصلية، أكثر من كونها جسوراً لتغيير موازين القوى لصالحهم.

بهذا المعنى، تبدو السياسات الشبابية “خارج تغطية الواقع”: خطاب يحكي عن شباب فاعل ومُبدع ومُمَكَّن، في حين يحكي الواقع عن شباب مُهمَّش، مهدد بالبطالة والهجرة، ويُنظر إليه كخطر أمني أكثر مما يُنظر إليه كطاقة سياسية واجتماعية.

ما العمل كي لا يبقى الشباب “ملفا اجتماعيا” فقط؟

إذا كانت الاحتجاجات الأخيرة قد أجبرت الحكومة على الاعتراف بأن “الرسالة وصلت”، كما صرّح الناطق الرسمي، فإن الخطوة التالية لا يمكن أن تكون مجرد تسريع لبعض المشاريع أو إطلاق برامج جديدة بصيغ قديمة. المطلوب، حتى تضيق الفجوة بين خطاب التمكين وواقع الإقصاء، مسار شجاع يتضمن على الأقل:

  • إعادة إحياء إستراتيجية وطنية للشباب، لكن هذه المرة بتشاركية حقيقية، تُشرك الحركات الشبابية غير الحزبية، والفاعلين الرقميين، لا فقط “الواجهات الرسمية”.
  • فتح النظام الانتخابي والسياسي أمام تجديد حقيقي للنخب، عبر تسهيل ولوج الشباب إلى الترشيح في دوائر ذات حظوظ، واعتماد قواعد داخلية في الأحزاب تضمن تناوباً جِيلياً على القيادة.
  • ربط السياسات الشبابية بسياسات العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، لأن تشغيل الشباب وتمكينهم لا يمكن أن يتحققا في اقتصاد سياسي يستمر فيه الريع والتفاوتات البنيوية بلا معالجة جدية.

جيل اليوم لا يطلب خطابات إضافية عن “المستقبل الذي يصنعه الشباب”، بل يطلب مفاتيح فعلية لتصميم هذا المستقبل: مقعداً في طاولة القرار، لا فقط في قاعة الندوات؛ حقاً في العمل الكريم والتعليم الجيد، لا منحة ظرفية لإسكات الغضب؛ وشراكة صادقة تجعل من السياسات الشبابية مرآة لواقعهم، لا مرآة مزيفة تزَيِّن ما لا يُرى في الشارع. ما لم يتحقق ذلك، ستظل السياسات الشبابية فعلاً “خارج تغطية الواقع”، وسيواصل الشباب البحث عن تغطيتهم الخاصة في الشارع، أو في الهجرة، أو في اللا مبالاة الحادّة.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.