دخل قطاع الصحافة والنشر في المغرب مرحلة حرجة مع انتهاء فترة انتداب اللجنة المؤقتة لتسيير شؤونه، التي كانت قد أنشئت بموجب القانون 15.24 لسد الفراغ الناتج عن نهاية ولاية المجلس الوطني للصحافة. ومع انقضاء المهلة المحددة في سنتين دون تجديد تركيبة مؤسسة التنظيم الذاتي أو صياغة بديل قانوني ومؤسساتي، يجد القطاع نفسه اليوم في فراغ قانوني وتنظيمي مقلق، وسط صمت حكومي مطبق وانتقادات مهنية متزايدة.
وعبرت الهيئات النقابية والمهنية الموقعة على بيان أصدرته في السادس من أكتوبر الجاري، عن رفضها القاطع لاستمرار اللجنة المؤقتة بعد انتهاء ولايتها، معتبرة أن أعضاءها باتوا من الناحية القانونية والأخلاقية فاقدين لأي صفة أو صلاحية. وذهبت أبعد من ذلك بتجريدهم من الحق في ولوج مؤسسة التنظيم الذاتي، أو الحصول على أي تعويض مالي، داعية الحكومة إلى تحمل مسؤوليتها الكاملة في هذا “الانحباس الخطير”.
وأعاد البيان التذكير بسلسلة من المحطات التي زادت من توتير الأوضاع داخل القطاع، بدءاً من تمديد ولاية المجلس الوطني للصحافة سنة 2022، مروراً بتشكيل اللجنة المؤقتة، وانتهاءً بفشل هذه الأخيرة – حسب ما جاء في البيان – في فتح حوار حقيقي وشامل مع الجسم الصحافي.
كما اتهمت الهيئات الموقعة الحكومة والوزارة الوصية بـ”بلع الوقت” من خلال المناورات وخلق الأزمات بدل العمل على إصلاح حقيقي، كما شجبت النهج الأحادي في صياغة مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس، الذي رفضته ليس فقط المكونات المهنية، بل أيضاً مؤسسات دستورية وخمسة وزراء سابقين.
الفراغ التنظيمي الحالي لا يُعتبر فقط خللاً إدارياً، بل يؤشر على أزمة أعمق تتعلق بكيفية تدبير الشأن الصحافي في المغرب، وخصوصاً استقلالية مؤسساته المهنية. إن غياب التمثيلية الشرعية والمنتخبة، وتأجيل الانتخابات المهنية، ومحاولات التحكم في مخرجات الإصلاح، كلها عناصر تغذي الشكوك حول وجود إرادة سياسية حقيقية لإعادة الاعتبار للصحافة كسلطة رابعة.
وتحذر الهيئات المهنية من “انزلاقات خطيرة” قد تسقط فيها الحكومة إن هي استمرت في إرضاء لوبيات الريع والاحتكار، مشددة على أن الوقت قد حان للدخول في حوار قطاعي جاد ومسؤول، يقود إلى توافق وطني موسع يضع أسساً جديدة لمجلس وطني مستقل، مهني، ومنتخب.
ويضع البيان الحكومة أمام لحظة مفصلية، تتطلب مراجعة شاملة للمسار الذي اتخذته خلال السنوات الماضية، ويقترح مساراً بديلاً يقوم على:
احترام الدستور وقوانين البلاد؛
الحفاظ على هوية مؤسسة التنظيم الذاتي؛
تعزيز المهنية والمصداقية داخل الحقل الصحافي؛
وضع حد لحالة التشرذم والفراغ التنظيمي.
ومع اقتراب موعد تجديد البطاقات المهنية للصحافيين، فإن التأخير في الحسم قد يعمّق الأزمة، ويُدخل القطاع في فوضى تنظيمية سيكون من الصعب تجاوزها دون أثمان سياسية ومهنية باهظة.
ويقف قطاع الصحافة في المغرب اليوم عند مفترق طرق: إما أن تُبادر الحكومة بتصحيح المسار عبر حوار صادق ومؤسساتي مع المكونات المهنية، أو أن تستمر في التعاطي الأحادي، ما قد يُفضي إلى مزيد من الاحتقان والشلل داخل مؤسسة كان يُفترض أن تُمثل استقلالية المهنة وكرامتها.