نقرأ في جزء من الآية الثلاثين من سورة الأنبياء “وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ”، وبقليلٍ من البحث نجد أن الحروب الحديثة في المنطقة “تركيا – سورية – إسرائيل – لبنان – الأردن – العراق” تتخذ لها طابعاً مائياً، ومنها سيطرة تركية – كدولة منبع – على تدفق نهر “الفرات” إلى كلٍّ من سورية “دولة عبور” والعراق “دولة المصب”.
سبب المشكلة أن تركيا تحاول أن تأخذ أكثر من حصتها المعمول بها دولياً مقابل أقل بكثير مما هو مخصص لسورية أو العراق بحيث يقل التدفق المائي مما يؤدي إلى مشاكل متعددة، وبسبب تعارض ممارسات تركيا بشأن مياه نهري دجلة والفرات مع القوانين الدولية، خاصة الاتفاقيتين الدوليتين لعام 1966 و 1997، وأيضاَ مع الاتفاقيات الثنائية التي وقعتها مع سورية والعراق.
في سورية، أدّت السدود التي بنتها وتبنيها تركيا على نهر الفرات إلى تراجع حصة السوريين من النهر، إلى أقل من ربع الكمية المتفق عليها دولياً، وهي مستويات غير مسبوقة.
يُشار إلى أن طول بحيرة الأسد يبلغ حوالي 80 كيلومتراً وعرضه نحو 8 كيلومترات فيما تصل مساحتها إلى نحو 640 كيومتر مربع وتستطيع تخزين أكثر من 14 مليار متر مكعب من المياه. لكن منذ العام 2020، انخفض منسوب مياه بحيرة الأسد بمقدار ستة أمتار فيما انخفض أيضا منسوب نهر الفرات حتى باتت المضخات التي من المفترض أن تزود القرى والمزارع بالمياه، غير قادرة على الوصول إلى مياه النهر.
ومن المعروف إلى أن نهر الفرات ينبع في تركيا ويمر عبر سورية ليصل إلى العراق، وقد شيدت تركيا سدّاً ضخماً على النهر أطلق عليه اسم “سد أتاتورك”. وعقب اكتمال بناء السد عام 1987، تعهدت تركيا بالسماح بمرور أكثر من 500 متر مكعب في الثانية على الأقل من مياه الفرات إلى سورية، بيد أن هذا المقدار تضاءل ليصل إلى أقل من 215 متراً مكعباً فقط في الثانية.
إن ورقة المياه – برأي – تضاهي ما تقوم به تركيا من دعم للمجموعات الإرهابية في إدلب، وهي تطمح لسيادة المنطقة.. وأعتقد أن تركيا لم تكن لتجرؤ على ذلك لولا الوضع الدولي الهش والأزمة السورية.
في كتابه “العمق الاستراتيجي” لرئيس الوزراء التركي الاسبق أحمد داود أوغلو يقول بكل ثقة وعدم خوف: “ليس من المحتمل ان تسفر مسألة المياه، التي تطل برأسها كثيراً … عن صدام نشط ومباشر مع سورية، لأن سورية تدرك انها لن تتمكن من إحراز أية نتيجة في ملف المياه من خلال الحرب مع تركيا. فلا التوازن العسكري ولا الوضع الجيوسياسي بين الدولتين يصب لصالح سورية، كما أن أي صدام ساخن لن يسفر عن نتائج من شأنها إخراج الفرات ودجلة من الرقابة التركية”.
بكل بساطة ووضوح .. التخطيط الاستراتيجي لتركيا يتعلق بأخذ الحصة الكبرى من المياه ولو أدى ذلك إلى تعطيش سورية وتخفيض مستوى توليد الكهرباء فيها، واعتبار المياه ورقة ضغط سياسية على سورية لن تتخلّى تركيا عنها بسهولة.
المجتمع الدولي يجب أن يتحرك لإغلاق بؤرة يُراد منها أن تكون شرارة صراع أخرى للمنطقة.
اللهم اشهد اني بلغت
#ما_بدنا_نعطش