وجه أستاذ القانون الدستوري، بن يونس المرزوقي، رسالة مفتوحة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على خلفية تصريحه الأخير الذي خاطب فيه المغاربة بدون وجه حق أو صفة، في سابقة وخرق سافر للأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها.
وجاء نص الرسالة كاملة كالتالي:
” إلى فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية؛
كنت أتمنى أن افتتح رسالتي هذه بتحية احترام وتقدير.. لكن تصريحكم الأخير جعلني أسقط عنكم التقدير.. وأحتفظ لكم بالاحترام.. الواجب لكل رئيس دولة وفق قانونا الوطني..
إن موقفي هذا.. ليس مبنيا على أي اعتبار سياسي.. بل يعود أساسا إلى موقفي من تصريحكم الأخير الموجه للشعب المغربي..
لقد اندهشت كغيري من باقي المغربيات والمغاربة.. ومن باقي المتمسكات والمتمسكين بحرفية وروح النص الدستوري..
لذا؛
اسمحوا لي أن أنبهكم -ومن خلالكم الطاقم الدستوري والقانوني الذي يقف وراءكم.. أو الهيئة الاستشارية التي تحضر مشاريع تصريحاتكم- إلى أنني تصفحت دستوركم بشكل دقيق.. باحثا عن أية إشارة تسمح لكم بمخاطبة شعب دولة أخرى..
والغريب..
الغريب جدا..
بل والغريب جدا جدا..
أن دستور جمهوريتكم لا يسمح لكم حتى بمخاطبة برلمانكم.. إلا وفق مقتضيات صارمة..
السيد رئيس الجمهورية؛
تنص الفقرة الأولى من الفصل 18 من دستوركم على ما يلي:
“يخاطب رئيس الجمهورية المجلسين بواسطة رسائل يعهد بها إلى من يتلوها أصالة عنه ولا تتبعها أي مناقشة”..
واوووووووووو
ليس من حقكم إلقاء خطاب على مجلسي برلمانكم (الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ)..
هذه دولتكم..
وتلك مؤسساتكم..
ومع ذلك ليس لكم إلا حق الخطاب عن طريق رسائل..
وحتى هذه الرسالة ليس لكم حق تلاوتها بنفسكم.. بل تعهدون بها لغيركم..
وإني لأتساءل.. كيف منحتم لأنفسكم حق مخاطبة شعب دولة أخرى.. في الوقت الذي لا تملكون حتى حق مخاطبة برلمانكم؟؟
واضح أنه يلزمكم “ساعي بريد” لمخاطبة ممثلي شعبكم.. فتجاهلتم ذلك.. وخاطبتم شعب دولة أخرى..
وقد كان الفصل 18 من دستوركم رؤوفا بكم في الفقرة الثانية.. حيث سمح لكم فقط بــ “تناول الكلمة”:
“ويمكنه أن يتناول الكلمة أمام البرلمان المجتمع في مؤتمر لهذا الغرض. ويمكن أن يتبع تصريحه هذا بمناقشة تجرى دون حضوره ولا تعقبها مناقشة”..
والله مقتضى “رائع”..
يحرمك الدستور من حق الخطاب إلا عن طريق “الوساطة”..
ويمنحك حق “تناول الكلمة” في شكل “تصريح” حضوريا.. لكن مع مناقشة التصريح دون حضوركم..
أتصور أن الغرض هو تفادي إحراجكم مما يمكن أن تتلقونه من ملاحظات من “أغلبيتكم” ومن انتقادات من قبل “معارضتكم”..
السيد رئيس الجمهورية؛
كان عليكم ان تلقوا نظرة -ولو خاطفة- على مقتضيات الدستور المغربي.. على الأقل لمعرفة كيفية التعامل مع مفهوم “الخطاب”..
إن الفصل 52 يعطي للملك حق مخاطبة الأمة والبرلمان..
كما أن الفصل 68 المنظم لعقد البرلمان للجلسات المشتركة.. حدد حالات هذا الاجتماع ووضع ضمنها “الاستماع إلى خطب رؤساء الدول والحكومات الأجنبية”..
إن دستورنا ليس إقصائيا كما قد تتصورون.. بل سمح لكم بإلقاء خطاب باعتباركم رئيس دولة.. لكن أمام مجلسي البرلمان..
يبقى عليكم فقط “طلب تأشيرة دخول للمغرب” يوقعها لكم صاحب الجلالة الملك محمد السادس..
لذا؛
لا أثر.. ولا تأثير لتصريحكم الموجه إلى شعب لا يستمع ولا تستهويه إلا الخطب التي يلقيها الملك.. والتي اعتاد على مقدمتها العظيمة:
“شعبي العزيز”..
وحتى بلغتكم.. فقد ميز دستورنا بين خطب صاحب الجلالة.. التي سماها (Messages).. أي أنه لملكنا حصريا حق توجيه رسائل.. وبالتالي تعليمات وتوجيهات..
أما خطب رؤساء الدول الأجانب فقد اكتفى بتسميتها (Discours).. أي كلام والسلام..”.