يستعد المغرب هذا الصيف لإعادة هيكلة وارداته من القمح اللين، مستفيدًا من انخفاض الأسعار العالمية إلى أدنى مستوياتها منذ خمس سنوات. ويأتي هذا التوجه في ظل توقعات بارتفاع الإنتاج العالمي من القمح إلى مستويات قياسية هي الأعلى منذ عام 2020، ما يوفر فرصة مناسبة للمملكة لتقوية مخزونها وتنويع مصادر التوريد.
وكشف مولاي عبد القادر العلوي، رئيس الفيدرالية الوطنية للمطاحن، أن فرنسا، التي تعد المورد التقليدي الأول للمغرب، تستعد هذا العام لحصاد وفير يعيد التوازن إلى سوق القمح الأوروبي، بعدما سجلت في 2024 تراجعًا في إنتاجها بنسبة 30%. وأوضح العلوي أن هذا الانتعاش الأوروبي سينعكس إيجابًا على الميزانية العامة، من خلال تخفيف الأعباء المالية الناتجة عن فارق السعر الذي كانت الدولة تدفعه للمستوردين، والذي تجاوز 270 درهمًا للقنطار خلال الفترات السابقة.
وفي سياق مواز، أطلقت الحكومة برنامجًا استثنائيًا لمنحة التخزين يهدف إلى تشجيع الفاعلين على تخزين 8 ملايين قنطار إضافية من القمح اللين، وهو ما يعادل استهلاك شهرين من الطحين. ويرمي هذا البرنامج إلى رفع الاحتياطي الوطني من القمح ليغطي ستة أشهر بدل ثلاثة، كإجراء استباقي لمواجهة أي تقلبات مستقبلية في الأسواق العالمية.
ومن المنتظر أن يشرع المغرب في عملياته الشرائية الكبرى خلال شهر غشت المقبل، معتمدًا على توقعات بانخفاض الأسعار بنحو 30% مقارنة بالعام الماضي. وفي خطوة غير مسبوقة، وقّعت المملكة اتفاقية لاستيراد 100 ألف طن من القمح الأمريكي بأسعار منافسة، مستفيدة من تراجع سعره في بورصة شيكاغو بما يقرب من 50 دولارًا للطن مقارنة بالقمح الروسي والأوروبي.
ويمتاز القمح الأمريكي بنسبة رطوبة منخفضة تبلغ 11.5%، مقابل 15% في القمح الكندي، ما يجعله أكثر ملاءمة لعمليات الطحن في المطاحن المغربية. واعتبر مولاي عبد القادر العلوي أن هذه الصفقة قد تمهّد لتحول طويل الأمد في خارطة التوريد، بحيث يمكن للولايات المتحدة أن تغطي حتى 20% من احتياجات المغرب من القمح خلال المواسم المقبلة.
في ضوء هذه التحركات، يتوقع المتخصصون أن يشهد السوق الوطني تحولات في تركيبة مورّديه التقليديين، مع تراجع الاعتماد على فرنسا وروسيا لصالح موردين جدد يوفرون جودة عالية بأسعار تنافسية.
وتراهن السلطات على هذه الظرفية الدولية لإعادة ضبط توازنات السوق الوطنية وتقليل الضغط على الخزينة العامة، إلى جانب تعزيز قدرة المغرب على المناورة في وجه تقلبات العرض والطلب عالميًا. وبفضل هذه الاستراتيجية الجديدة، تسعى المملكة إلى تأمين مخزون قوي ومرن من القمح، يحمي المستهلك من اضطرابات الأسعار، ويوفر للصناعة الغذائية شروط عمل أفضل، ويعزز من قدرة البلاد على مواجهة أي أزمات غذائية محتملة مستقبلاً.