ما الأسباب التي جعلت أثيوبيا تعتبر السد مظهرا من مظاهر تنميتها ونهضتها المستقبلية ؟ و بالمقابل لماذا رأت فيه مصر والسودان -أخيرا على حد سواء – خطرا يهدد الأمن المائي والقومي لكليهما؟
هل هي أسباب موضوعية نابعة عن رغبة في الحفاظ على مصادر المياه المعتادة ؟ أم هو الخوف من الآثار الكارثية المتوقعة التي ستنتج عن عدم قدرة السد استقبال حمولة مائية تفوق طاقته الاستيعابية وفق ظروف وتقلبات طبيعية قد تكون مدمرة ..؟
أم هي دوافع سياسية يمليها منطق التدافع على الزعامة القارية فقط؟
لنتعرف في سطور موقع سد النهضة الأثيوبي:
يعتبر سد النهضة الذي شرعت أثيوبيا في إقامته منذ سنة 2011 على نهر النيل الأزرق من السدود الإفريقية الكبرى، أقامت عليه أكبر محطة لتوليد الكهرباء تحقيقا لاحتياجاتها، ومن المتوقع أن تصدر منه الفائض – كما أعلنت حسب وسائل إعلامها الرسمي – الطاقة الكهربائية للبلدان المجاورة ولأهمية سد النهضة كان موضوع ومناط اتفاقيات بين أثيوبيا و مصر إذ أعلنت الحكومة الأثيوبية في مايو 2011 أنها “سوف تتقاسم مخططات السد مع مصر حتى يمكن دراسة مدى تأثير السد على المصب”
إذ من المعلوم جغرافيا أن “النيل” تتشكل مياهه من مصدرين أساسيين الأول الهضبة الإثيوبية التي تخترقها ثلاث أنهار “النيل الأزرق” ونهر “السوباط ” ونهر “عطبرة ” والثاني هضبة البحيرات الاستوائية وتشمل بحيرات فيكتوريا وكيوجا ، وإدوارد ، وجورج، وألبرت “.
وجيولوجيا أقيم السد وراء التشكيلات والتكوينات الجيولوجية لتضاريس جبلية شديدة الإرتفاع تخترقها وديان عميقة ضيقة وأخاديد سحيقة ، أما الأديم فتعلوه صخور بازلتية ، وأخرى متحولة وكذا وجود صخور بركانية … وطن سد النهضة عند نهاية النيل الأزرق في بلاد ” بني شنقول ” على بعد حوالي 40 كيلومتر من الحدود السودانية .
قد يبدو الموضوع للوهلة الأولى أن المشكل لا يعدو سوى جعجعة سياسية تم النفخ فيه وأعطيت له هالة إعلامية قصد تسويقه دوليا ؟
لكن بالنظر للجو المشحون، والتراشقات الكلامية المبثوثة في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي بين الأطراف الثلاث رسميا، يظهر بالفعل أن سد النهضة أصبح مثار العديد من التكهنات وقد يكون خطرا داهما مما يحتم على إثيوبيا الإنصياع للمعطيات الموضوعية و تليين مواقفها والسماح لمصر والسودان بالمشاركة في إدارة السد .. ومراقبة مستوى حقينته وتدفق المياه فيه حتى يتمكنا من التصرف في الوقت المناسب عند حلول أي خطر .
و للإشارة أولا وهذا الأمر لايمكن تجاهله إلى أن نهر النيل يكاد يختزل تاريخ مصر على مر العصور لذلك قيل إن “مصر هبة النيل” .. إذ بقدوم مياهه قاطعة آلاف الكيلومترات من منابع قاصية تخترق في مسارها دولا إفريقية حتى تنساب على كف ” الدلتا نحو البحر الأبيض المتوسط ” .. لتسقي فدادين وبساتين وحدائق المصريين بالإضافة للسدود المقامة عليه والتي تمد مصر بالطاقة الكهربائية كل ذلك يجعل من النيل منبع الحياة والحركة والإستقرار والاستمرار لمصر … كما أن النيل يجسد تاريخ حضارتها العتيدة عبر العصور ، فلولاه لكانت بيداء قاحلة ، فالنيل لدى الشعب المصري هو “اليمن والفرح والعطاء والبركة ” الضافية ، تهتز بمائه الأرض وتربو وتنبت من كل زوج بهيج لتغذية ملايين المصريين .
لهذا كانت الحكومات المتعاقبة على حكم مصر تنظر للنيل بأنه الشريان الحيوي لوجودها واستمرارها ، ولا تسمح بنقصان حصتها فيه واليوم وقد أقيم سد النهضة كواقع موضوعي هرعت للدفاع عن حقها المائي تعاضضها في ذلك دولة السودان لكونهما يشتركان في هذا الهم الثقيل .
نعم هو هم ثقيل بالنسبة لهما نظرا لعدم اليقين والتأكد من متانة بنيته التحتية ، ومن قدرته على تحمل كمية المياه المتدفقة إليه رغم تطمينات الطرف الإثيوبي ، وهو كذلك هم ثقيل بالنظر للتوجس الحاصل إزاء الحكومة الأثيوبية التي ربما قد لا تفي مستقبلا بوعودها في تمكين مصر والسودان من سريان حصتهما المائية كالمعتاد ، مما يعني التحكم في المصير والخنق التدريجي لكل تنمية .
بالنسبة للطرف المصري الذي ورد في إعلامه أن الحكومة المصرية لم تتفاعل منذ بداية إنشاء السد مع المشكل حتى غدا “سد النهضة” – بعد تسميات عدة – واقعا موضوعيا منتصبا ، بعد أن أنفقت عليه حكومة أثيوبيا ميزانية ضخمة إضافة لسندات مواطنيها واقتراضها من دول أخرى …
أوردت صحيفة RT عربي مقالا تحت عنوان ” شكري : نسعى لمواصلة مفاوضات سد النهضة ” أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري سعي بلاده لاستمرار مفاوضات سد النهضة ، وذلك تجنبا لأي تداعيات سلبية على مصر والسودان ومنع أي توتر يؤدي إلى زعزعة الإستقرار في المنطقة وكون القاهرة امتلكت إرادة خلال مفاوضات “كنشاسا” للتوصل لاتفاق قانوني وملزم حول ملء وتشغيل السد ، بما يحفظ حقوق مصر والسودان وإثيوبيا ويحقق مصالحهما المشتركة ، التصريح أدلى به عند اجتماعه مع الرئيس التونسي قيس سعيد في قصر قرطاج .
هذا الأمر ينسحب كذلك على حكومة السودان وإن كانت راضية باديء الأمر وفق ما أوردته صحيفة BBC تحت عنوان : سد النهضة : لماذا بات السودان أكثر تشددا مع أثيوبيا في قضية السد ؟
في تقرير “لزينب صالح من الخرطوم معلقة تحولت اللغة التي يستخدمها السودان عند مناقشة قضية سد النهضة الأثيوبي الكبير من الترحيب الواسع إلى التشكيك والعدائية … وتصاعدت حدة المناقشات الدبلوماسية مع اقتراب موسم الأمطار في أثيوبيا حيث سيجري ملء الخزان خلف السد للعام الثاني على التوالي من دون أي اتفاق بشأن كيفية ملء الخزان .
لقد تحدثت كل من مصر وإثيوبيا عن المشروع بوصفه قضية حيوية تمس صميم وجود البلدين ومستقبليهما ” … وعلى صفحات أخرى “بالتفاصيل” أنه في ظل تعثر مفاوضات سد النهضة ووصولها إلى طريق مسدود بتعنت الطرف الإثيوبي هدد وزير الري السوداني ياسر عباس بتصعيد الأزمة على المستويين السياسي والقانوني أما من ناحية الطرف الأثيوبي فقد أكد رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد أن المفاوضات بحسن نية بين البلدان الثلاث هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق نتائج ملموسة في رد على رسالة نظيره السوداني عبد الله حمدوك الذي افترض فشل عملية التفاوض “.
ومعلوم بالضرورة بعد أن وقعت ” الفاس في الراس كما يقال في المثل ” إلى لزوم عرض المشكل على أنظار الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي .. وهو ما ينذر بأن المشكل عند تدويله قد يطول البث فيه … لكون تفويض إدارة ملف الصراع بين الدول يحتاج إلى كثير وقت من لدن المنظمات الدولية ويبقى من اختصاص موظفي إدارة الصراع إيجاد حل يرضي الجميع في ظل التوجهات السياسية المتضاربة المصالح الدولية كذلك في إطار من قاموس للعلاقات الدولية شائك ومتعب يبدأ ب”دراسة القضية” ويعمل في الفواصل الساخنة للصراع على التخفيف من حدة منسوب التوتر وضبط النفس .. وحلحلة الأزمة بالشكل الذي يحول دون التدخل العسكري لتدمير السد، وهكذا حتى يتبين للمنظمات الخيوط المختبلة في الملف العويص ، ويظهر الخيط الرئيسي، والذي سيجرجر إليه ” الثلاثي” تحت مقصلة العداد المالي … هذا لكون المشكل دخلت فيه شراكات وشركات دارسات وأخرى متعددة الجنسيات منفذة ومنجزة للمشروع ومنظمات مالية مقرضة ..
أما المشكل المائي والكوارث التي ستنتج تحت سمع وبصر ( الدول السائرة في طريق النمو ) فلا يعلم بها إلا الله سبحانه