الحدث بريس : التهامي بن العربي.
إن الأبطال في المجتمع الامريكي لا يقتصرون على الرياضة والعلم…ولكنه يتعدى ذلك الى مجال التبرع. فالمتبرع يحضى بأهمية خاصة في المجتمع لكون ثقافة العمل الخيري الانساني المؤسساتي هي ثقافة رائجة ، دارجة . والدولة بدورها هناك تشجع ، وتدعم وتكافيء على التبرع والعمل الاجتماعي الإنساني، وتنوه بالقائمين به وتحتفي بهم إعلاميا .
والثري الأمريكي ينظر الى العمل الخيري نظرته لمؤسسات الدولة أو الى الشركات الأكثر كفاءة، فهو عمل مؤسسي ملموس جاد، وواضح المعالم في منطلقاته وأهدافه ، كما أن التبرع للجمعيات الأمريكية تبرع ظاهر لا يدخل فيه الإسم والنسب ولا الماورائيات…
إن العمل الخيري مدعوم من المواطنين الأمركييين جميعا، ناهيك عن اقتناع ذوي القرار بجدواه وفاعليته ، وأثره المباشر في تنمية ثقافة التضامن والتآزر وقت الأزمات ، إنه انزياح نبيل نحو معالجة بعض المشاكل الإجتماعية بمحافظته على تماسك الشعب،المقوي لأواصر الوطنية .
الدولة مهما كانت قوية لا يمكنها أن تهمل عمل الأفراد والجمعيات ، أو أن تنقص من عمل أحد.على أساس أنها لا تحتاج أو أنها مكتفية بذاتها.
فقد تبرع الثري الامريكي “مارك زوكربيرك ” بنسبة 99 بالمئة من حصته في شركة ” فيسبوك ” وتبرع “بيل غيتس” بنحو 28 مليار دولار تم ضخها عبر مؤسسة بيل غيتس الخيرية لفائدة العمل الخيري .
وفي عام 2014 أعلن “غيتس” عن التبرع ب 1.5 مليار دولار إضافية من أسهم شركة “مايكروسوفت” . إلا أن هذا الأول من بين 138 فردا وأسرة من أثرياء العالم الذين وقعوا على «تعهد العطاء»، الذي يقضي بالتخلي عن معظم ثرواتهم، وذلك في محاولة لإصلاح مشكلات المجتمع. وفي وقت سابق أيضًا، كان ” زوكربيرغ ” قد تبرع بنحو 1.5 مليار دولار لمؤسسة «وادي السليكون» في عام 2012 و2013. كما بلغت إجمالي تبرعات أثرياء أمريكا للأعمال الخيرية في 2018 أكثر من 7.8 مليار دولار، وذلك حسب مجلة “ذا كرونيكل أوف فيلانثروبي” التي أصدرت قائمتها السنوية لأكثر 50 ثرياً تبرعوا للأعمال الخيرية في الولايات المتحدة الأمريكية.
إن الشخصية الامريكية تنظر الى التبرع كأساس للمواطنة الحقة، فهي شخصية شهمة منطلقة ومتحررة، لا تتبرع بالقليل ، فهي لا تعرف الوسطية مثل غيرها من أثرياء السمعة الذين يتبرعون بالفتات. فقد تعدى عتبة 229 مليار دولار وهذا في سنة 2010. وبذلك تتفوق الولايات المتحدة الأمريكية على كل دول العالم قاطبة في الدعم والمنح الموجهة للعمل الانساني المنظم في العالم .
..لكن نتساؤل اليوم عن أثرياء العالم العربي هل لديهم نفس الثقافة نحو مجتمعاتهم ؟ هل هناك أبطال يعطون ويهبون بدافع إنساني مثلهم ؟ متجاوزين تلك النظرة الضيقة في النظر الى أبناء الوطن، وإلى جمعياته التي لا زالت تحارب الفقر والهشاشة… بوسائلها وإمكاناتها الذاتية المتواضعة سواء بالقرى أو المدن .
ألم يحن الوقت بعد إلى تأسيس العمل الخيري على أسس عقلانية متينة والتخلي عن تلك النظرة البائسة التي تحارب العمل الخيري وتخشاه .
متجاوزين تلك النظرة الإرتيابية الناقمة على بعض الجمعيات ، والرضى عن بعضها ، ألم يحن الوقت بعد لتتساوى السياسة الإشهارية ؟ و الإيمان الفعلي بتواجدها في الميدان؟
ألم يحن الوقت بعد إلى تحفيز وتحميس وتشجيع المبادرات الفردية والجماعية المواطنة لخلق المشاريع المدرة للدخل لفائدة الفقراء والأيتام والمهمشين و البحث عن الراغبين في دعم العمل الخيري ، ونشر أعمالهم ورعايتها ؟
إن الإجهاز على العمل الخيري النابع من إرادة نبيلة ، و محاولة التشهير به والإنتقاص من قدره من ضعاف النفوس والعزائم فيه إفساد لرسالته .
ألم يحن الوقت إلى ترك نظرة التخوف من المتبرعين والوقوف بسوء الفهم والتقدير دون وصول المساعدات لمستحقيها؟
ألم يحن الوقت كذلك بعد أن يقتنع المسؤولون في بلادنا أن هناك حدا فاصلا بين الإحساني والسياسي، وبين المقاربة الاجتماعية والسلطوية وأن الحياة دول ؟
وبالتالي أي مستفيد من العمل الخيري هو استفادة للوطن ككل ، يجب ان نكون موضوعيين مع أنفسنا وأن نفصل بين ماهو عمل سياسي حزبي وديني في العمل الجمعوي والعمل الخيري الذي لايقوم به الأثرياء المتبرعون انتظار منفعة أو جلب مكانة دنيوية زائفة .
فرغم وجود البعد الديني الذي يدعم العمل الخيري والتطوعي في الوطن العربي ، وهو ما يحدث بالفعل؛ من قيام بعض الجمعيات الفاعلة في الوطن بأعباء العمل التطوعي، لكنها قليلة وفردية ومتباعدة، ولم تصل بعد إلى اقناع الجميع بجدوى تجربتها النوعية .
إن المرحلة الحالية بصعوباتها وتعقيداتها الإجتماعية الجمة تقتضي من المسؤولين ببلادنا الإيمان بالمجتمع المدني ودوره الرائد في التنمية والحفاظ على تكاتف جهوده ونواياه الحسنة ، وهو ما سيحفز الجميع للقيام بالمبادرات الوطنية الطيبة . فكثير من الجمعيات حفرت الآبار وجهزتها بالطاقة الشمسية لفائدة سكان القرى او المدارس النائية ولم تدعي يوما أنها تقوم بذلك لهدف غير الهدف التنموي الانساني فلماذا تتم شيطنتها وإفشال إرادة الفاعلين بها وتبخيس عملها .
إن ثقافة العمل الخيري إما أن تكون تجربة بمعان إنسانية محضة وإحساس بالآخر الذي يعاني الإقصاء والهشاشة والفقر، واليتم ، ووعورة المسالك ،ونذرة المياه والبعد عن المراكز الصحية ووو… أو معنى أجوف بلا هدف وتجربة، بأن تحتكر الساحة جمعيتان ( 2 الى 4 جمعيات “الحملات الدعائية ” ، وتنفى جميع مبادرات الجمعيات الأخرى، فتنفق الدعم ، دون خطة ودراية و تنسيق أو جدوى منتظرة داخل المجتمع ،وبين جمعيات هشة، تعمل دون خطة رئيسية Master plan خيرية، او دون إدارة مؤسساتية مهيكلة ومعقلنة، أو ودون تلق لأي من التبرعات…
مقال في الصميم يرجع للمغربي عزته بنفسه
نحتاج الى مثل هذه الاقلام الحرة التي تفتح النفس وتجعل من العمل المبادراتي عملا له شأن..
الهشاشة حتى للعضام
اشباع الحاجيات الاساسية للمغربي يجب ان تكون كبطاقة الرميد لا شيء يمنع من التقدم الى الامام.+++