في زمن يُفترض فيه أن تكون الحوكمة الرقمية عنواناً للنزاهة والكفاءة، يجد المغاربة أنفسهم أمام فضيحة إلكترونية تكشف هشاشة البنى الرقمية لإحدى أهم الوزارات المرتبطة بحياتهم اليومية. اختراقٌ نفذته مجموعة جزائرية تطلق على نفسها اسم “جبروت”، لموقع وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، لم يكن مجرد عبث هاوي، بل صفعة سياسية وأمنية مدوّية، خاصة بعدما تمكن القراصنة من التلاعب برموز السيادة ونشر معطيات شخصية لمواطنين مغاربة.
في قلب هذا الإخفاق، يبرز اسم الوزير يونس السكوري، الذي لم يكلّف نفسه حتى الآن عناء الخروج إلى الرأي العام لتفسير ما حدث، تاركاً موظفيه يتخبطون في تسريبات بلا توقيع. الأدهى من ذلك، أن السكوري لم يُفاجَأ بالاختراق، فقد سبقه تحذير علني قبل أيام من شاب مغربي يدعى حسن خرجوج، كشف عن وجود ثغرات تقنية “ساذجة” – حسب وصفه – في الموقع الرسمي للوزارة. تحذير واضح، معلن، يمكن التحقق منه، لكن لا أحد حرّك ساكناً.
هنا يتجاوز الموضوع خطأً تقنياً عابراً. نحن أمام استهتار صريح بالمسؤولية، يتجلى في الانصراف عن معالجة تهديد حقيقي، مقابل الانغماس في حملات تلميع شخصية كلّفت أزيد من 4,5 ملايين درهم من المال العام، صُرفت لعقود دعائية مع مؤسسات إعلامية فقط من أجل تضخيم “إنجازات” الوزير. فهل يُعقل أن يُعطى الأسبقية لصورة الوزير على حماية معطيات آلاف المغاربة؟ وهل وصل بنا الأمر إلى اعتبار الأمن السيبراني ترفاً يمكن تأجيله بينما تُبدد الملايين على “البروباغندا”؟
المفارقة الصادمة أن هذا يحصل في وقت تسجّل فيه البلاد معدلات بطالة قياسية تتجاوز 21 في المائة، تحت إشراف نفس الوزير، دون أن يلوح في الأفق أي تغيير ملموس. فهل نحن أمام وزير يُقاس نجاحه بعدد الصور الملتقطة لا بعدد فرص الشغل المُحدثة؟ وأين هي الرقابة الحكومية والبرلمانية على هذا التبذير الممنهج للمال العام في مجالات لا تهم المواطن في شيء؟
الاختراق الجزائري الأخير لم يكن مجرد حادث رقمي، بل كشف النقاب عن اختلال عميق في ترتيب الأولويات، وعن إصرار بعض الوزراء على تحويل مسؤولياتهم إلى أدوات لبناء مجد شخصي، حتى وإن كان ذلك على حساب أمن الدولة الرقمي وخصوصية المواطنين.