مع تصاعد التوترات الجيوسياسية بين إسرائيل وإيران، يجد الاقتصاد العالمي نفسه في مرحلة جديدة من الضبابية وعدم اليقين. هذه المرحلة تأتي على خلفية حرب تجارية مستمرة وأزمات اقتصادية تؤثر على أسواق الطاقة والنظام الاقتصادي العالمي والإقليمي بشكل عام.
في هذا السياق، أشار ناصر السعيدي، إلى أن للحروب تكلفة اقتصادية وعسكرية مباشرة.
وأوضح أن التكلفة اليومية التي تتحملها إسرائيل تصل إلى حوالي 750 مليون دولار، في حين لا تزال التكلفة الدقيقة بالنسبة لإيران غير واضحة بشكل رسمي.
وأضاف أن الأضرار لا تقتصر على الجانب العسكري بل تمتد إلى تدمير البنى التحتية في كلتا الدولتين.
وأوضح السعيدي أن أبرز التأثيرات الحالية تظهر في الأسواق النفطية، حيث ارتفعت أسعار النفط بنسب تتراوح بين 7% و10% خلال الأيام الأخيرة. هذه الزيادة ستؤثر بشكل مباشر على نسب التضخم سواء في الدول المصدّرة أو المستوردة للنفط.
واستنادًا إلى التجارب السابقة، أشار السعيدي إلى أن زيادة أسعار النفط بنسبة 10% تُترجم إلى ارتفاع في التضخم العالمي بمقدار 0.4%. ورغم استقرار نسبي في أسعار النفط مع بداية الأسبوع عندما ثبت أن الضرر محصور داخل إيران، إلا أن السعيدي حذّر من أن استمرار التصعيد من الممكن أن يعطل إمدادات النفط الإيراني البالغة نحو 1.7 مليون برميل يوميًا، والتي تعتمد الصين على الجزء الأكبر منها.
وأكد أن دول الخليج العربي كالسعودية والإمارات تمتلك طاقة إنتاج إضافية تصل إلى ما بين 3 و4 ملايين برميل يوميًا، مما قد يساعد في التخفيف من صدمة العرض العالمي.
وتطرق السعيدي إلى الأضرار الاقتصادية غير المباشرة الناتجة عن النزاع المستمر، مثل الاضطرابات التي تسود قطاعات النقل والسياحة والخدمات اللوجستية، وما يترتب عليها من إعادة توجيه مسارات الطيران والتجارة البحرية.
وأكد أن امتداد رقعة الحرب سيعزز من هذه التداعيات الاقتصادية. وفيما يتزامن التصعيد الجيوسياسي مع انعقاد قمة مجموعة السبع في كندا، رجّح السعيدي أن تصدر دعوات موحدة تهدف إلى تخفيف التوترات، نظرًا لوعي القوى الكبرى بحجم التداعيات الاقتصادية العالمية التي قد تنتج عن اتساع نطاق النزاع العسكري في المنطقة.
أما عن تداعيات الأوضاع الحالية على الأسواق المالية العالمية، أشار السعيدي إلى ارتفاع التقلبات في أسواق المال وأسواق العملات.
هذا الاتجاه يدفع المستثمرين نحو أصول الملاذ الآمن مثل الذهب والفرنك السويسري. لكنه حذر في الوقت ذاته من احتمالية هروب رؤوس الأموال من بعض الأسواق الإقليمية بسبب حالة الغموض وعدم الاستقرار الراهنة. كما شدد السعيدي على حجم التحديات المتزايدة التي تواجه الاقتصاد العالمي حاليًا مع وجود صدمات متزامنة مثل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها وتذبذب سلاسل التوريد.
وبناءً على المعطيات الراهنة، توقع انخفاض معدلات نمو الاقتصاد العالمي لتتراوح حول 2.5% بدلاً من 3.5%، مما قد يؤثر سلبًا على معدلات البطالة والنشاط الاقتصادي عالميًا.
فيما يخص آثار ارتفاع أسعار النفط الأخيرة، أوضح السعيدي أن استمرارها قد يؤدي إلى زيادة التضخم العالمي بنحو 0.5%، وهو ما قد يعزز من حالة التردد القائمة لدى البنوك المركزية الكبرى مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي في خفض أسعار الفائدة خلال الفترات القادمة.
وأشار أيضًا إلى أن استمرار ارتفاع معدلات الفائدة سيمثل عبئًا إضافيًا على الدول ذات المديونيات الخارجية المرتفعة، وعلى رأسها مصر والأردن. كما سيزيد ذلك من الضغوط التمويلية على الشركات التي تسعى للتوسع عبر الاقتراض.
في ختام حديثه، تناول السعيدي التأثيرات الاقتصادية السلبية التي تتسبب بها الحروب المستمرة في اقتصادات الدول المجاورة للنزاعات. ولفت إلى انخفاض الناتج الفردي الحقيقي في المنطقة بنسبة تُقدر بـ10% تاريخيًا خلال فترات النزاعات المسلحة.
وأوضح أن هذه الظروف تجعل استقطاب الاستثمارات وإعادة الإعمار أمرًا بالغ الصعوبة في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي. وأعطى مثالًا بسوريا التي لا تزال بحاجة إلى ما بين 400 و600 مليار دولار لعملية إعادة الإعمار.
ومع ذلك، تبقى هذه الاستثمارات مجمدة نتيجة لاستمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة.