الحدث بريس: الصادق عمري.
تكتسب الجهوية بعدا حيويا في أدبيات التفكير السياسي لدى الفاعلين المغاربة بما شهدته من نقاش عام و أبحاث أكاديمية مستفيضة منذ سنة 1994 فأصبحت بذلك خيارا استراتيجيا يروم إلى تخفيف الضغط لدى المركز على مستوى التسيير والتدبير واتخاذ القرار في مختلف المجالات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية ….
هذا التخفيف فرضته العديد من العوامل منها التطور الذي تشهده بنيات المجتمع المغربي مما جعل السلطة المركزية تقوم في تنزيل هذا المشروع الكبير بشرعنة التنازل عن بعض الصلاحيات لفائدة الجهات المكونة للمجال الترابي للدولة ، تعزيزا وارتقاء بالتنمية المحلية وتنشيطا للدورة الاقتصادية وتقريبا للادارة من المواطن الذي هو الهدف الأسمى من هذا التصور المهيكل تفكيرا وتنزيلا ، جهوية تدرس الإمكانات وتراعي الخصوصيات وتعبيء الطاقات لإحداث توازن وتكامل تنموي واقتصادي بين الجهات المشكلة للدولة وتحفيزا للتنمية المحلية ،وتحريرها من مركزية تجعلها دائما ترجع إلى السلطة المركزية كلما تعلق الأمر ببعض المشاريع والقضايا التي لا تحتاج إلى ذلك .
لقد نهج المغرب في تحقيق هذا المشروع الجاد والحيوي مسارا طويلا متدرجا حتى بلغ مراحله الأكثر نضجا ورمزية على المستوى النظري وما إقراره في دستور 1992 إلا تأكيدا من الفاعل السياسي على أهميته وجدواه وقابليته للتطبيق بالنظر لتجارب الدول الديمقراطية في هذا المجال كالمانيا منذ سنة 1949 وفرنسا حتى سنة 1969 إلا أنها لم تأخذ به إلا في سنة 1982 في عهد وزير الداخلية الاشتراكي الفرنسي &غاستون دفيير& تم بموجب اعتماد النموذج الجهوي إعطاء الجهات والبلديات صلاحيات ذات طابع إداري في غالبيتها ،لكن الإصلاحات اللاحقة عززت أهمية الجهات خاصة في المجال الاقتصادي والتنموي …
إن التطور البنيوي لآليات عمل الدولة واتساع المجال الترابي الذي تشتغل عليه وحاجيات مشاريع وطموحات وآمال المواطن جعل الحاجة ماسة إلى أن تمنح الجهات استقلالها على المستويات الإدارية والتدبيرية والمالية مع الاكتفاء بالمراقبة والتتبع والمواكبة ، والمحاسبة كوضع متقدم.
أما في إطار نضجه على مستوى التطبيق والنجاعة فسينتقل النموذج تدريحا إلى جهوية موسعة تبقى فيها السيادة للدولة على القطاعات ذات الأبعاد الحيوية.