بعد أن شهدت ساحة العدالة منذ أيام حراكا قضائيا يمكن تسميته بالنسخة الثانية للحراك القضائي بعد دستور 2011. أبرز الدكتور الصوصي العلوي عبد الكبير، في هذا الصدد، مجموعة من التساؤلات المرتبطة بمستقبل العمل الجمعوي ـ النقابي لقضاة المغرب وكذا بوادر دولة القضاة في الأفق.
وعلى هذا الأساس، أفاد الصوصي، “بداية لا أحد ينكر القيمة المضافة للقضاة كجمعيات مهنية أو أفراد في الساحة الحقوقية، لا سيما المساهمة في نشر الثقافة القانونية والعمل القضائي. وكذا تنمية البحث العلمي إلى جانب باقي مكونات العدالة خاصة المحاماة. وهذه من حسنات تعدد جمعياتهم المهنية، هذا من جهة”.
ارتفاع سقف المطالب شكلا ومضمونا
أما من جهة أخرى، فالمتتبع لشأن العدالة ببلادنا، سيلاحظ أن التطور قد لحق الممارسة والخطاب في عمل الجمعيات المهنية (وحتى القضاة كأفراد). حيث ارتفع سقف المطالب شكلا ومضمونا. وهو ما يستشف من بلاغات الجمعيات المهنية، وكذا أراء القضاة. مما يطرح سؤال ثاني حول مستقبل (مفهوم) واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية، من حيث الحدود والمظاهر.
وفي إطار المقتضيات القانونية التي جاء بها دستور المملكة لسنة 2011، بخصوص استقلال السلطة القضائية، نجد أن هذه الأخيرة مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية. وجلالة الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية طبقا للفصل 107منه.
كما منع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء. ولايتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولايخضع لأي ضغط بموجب الفصل 109. وقيد ذلك بمكنة التعليمات القانونية الكتابية لقضاة النيابة العامة من الجهة التي يتبعون إليها.
وعلى صعيد أخر، شدد الدكتور على أن القانون يعاقب على كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة. مع الإشارة إلى أنه في حالة اخلال القاضي بواجب الإستقلال والتجرد فذلك خطأ مهني جسيم.
وفي ظل عدم وضوح معاني الإستقلال والتجرد، وواجب التحفظ والأخلاقيات القضائية، تركت ساحة العدالة في شقها المرتبط بالتعبير والعمل الجمعوي أمام تدافعات بين المتدخلين، أحيانا صدامات (مع الغير أو بينية باللمز والغمز)، كما نشهده اليوم بعد حادث السيد نائب وكيل الملك بطنجة. وقبله قضية السيد قاضي مراكش ثم واقعة البيانات ضد السيدة نبيلة منيب (مرتبط بتصريح اوقفوا العبث) والسيد الزروالي مرتبط باتهامات لقاضي بالدار البيضاء، وكذا تصريحه الأخير ضد السيد وكيل الملك بمكناس.
ولفت الدكتور القانوني أن الملاحظ:
بلقنة للعمل الجمعوي النقابي المهني
أولا: بلقنة للعمل الجمعوي (النقابي) المهني، حيث تعدد الجمعيات المهنية، نتج عنه إفراز قطبين لجسم واحد. وهذا مظهر مقبول دستوريا وحقوقيا حيث التعددية الجمعوية للنقابية السياسية، مبدأ للتدافع بين جميع الفاعلين بالمغرب. لكن هل ذلك يصلح للجسم القضائي الواحد؟.
وأشار نفسه، أن التعددية ظاهرة صحية. لكن في الشأن القضائي شتت المجهود، وخلق التباين بلغ أحيانا حد التنافر بين جناحين ظهر إلى السطح، وأحيانا اختفى (ديبلوماسيا) لواجب الزمالة وحسن الجوار. الشيء الذي يوحي بكون القطبين أحدهما يفرمل الآخر تبعا لنوع القضايا. وهذا موضوع نتركه لأهل الدار.
ثانيا: نتيجة البلقنة أعلاه، أن التضامن يتم تبعا لانتماء المنخرط، حيث لكل قطب منخرطيه وبلاغاته تصدر تبعا للانتماء. وهي وإن كانت تصدر دفاعا عن هيبة القضاء والدفاع عن استقلال السلطة القضائية وفق ديباجة البيانات، إلا أنها (تتعصب أحيانا) للانتماء. وكأن المس باستقلال السلطة القضائية وهيبتها (كما نقرأ في تلك البينات) يتوفر فقط كلما كان القاضي موضوع التضامن منتمي للقطب الجمعوي مصدر البيان. مما أثر سلبا على قراءة رسائل البيانات.
ثالثا: لوحظ تولي الجمعيات المهنية الدفاع عن استقلالية السلطة القضائية (واستقلال القاضي) كشأن مهني. رغم وجود مجلس أعلى للسلطة القضائية كشخص معنوي يتوفر على الإستقلال الإداري والمالي، له دستوريا الصفة في تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة فيما يخص استقلالهم أساسا. مما أفرز تداخلا في الصلاحيات بين الجمعيات المهنية كشخص معنوي خاص وبين مؤسسة المجلس كشخص معنوي عام.
ويذكر أن الأستاذ الجامعي طرح عدة ملاحظات وأفكار، كارضية للنقاش حول:
– مستقبل العمل الجمعوي المهني للقضاة؟ وما إذا كانت المرحلة ستؤسس لنقابات مهنية بالواضح تنتزع مستقبل اعترافات دستورية كنقابات مهنية (شكلا وموضوعا) وليس جمعيات مهنية شكلا(نقابية موضوعا).
– مستقبل سلطة القضاة؟ وما إذا كانت (دولة القضاة كما سماها البعض)، والتي ظهرت بوادرها منذ 2011 بدأت تتقدم، في تدافع وتزاحم، من أجل التحكم ؟!.