كشف تقرير حديث نشره موقع “الجزيرة نت” عن تصدّر المغرب قائمة الدول العربية من حيث نسبة الإنفاق على مشاريع البنية التحتية، بعد تخصيصه 52.5% من ميزانية سنة 2024 لهذا القطاع الحيوي، متقدماً بفارق ملحوظ على باقي الدول العربية، بما فيها دول الخليج التي ظلت لسنوات في طليعة الإنفاق الاستثماري.
هذا التوجه الطموح يندرج ضمن رؤية استراتيجية أشمل، تهدف إلى جعل البنية التحتية رافعة أساسية للتحول التنموي والاستعداد اللوجستي المحكم لتنظيم كأس العالم 2030، الذي سيحتضنه المغرب بشراكة ثلاثية مع إسبانيا والبرتغال. وتشمل هذه التحضيرات سلسلة مشاريع كبرى تلامس قطاعات النقل، والملاعب والمنشآت الرياضية، والطاقة، والسياحة، وغيرها من البنى الداعمة.
الرهان لا ينحصر في الجاهزية لتنظيم تظاهرة كروية عالمية، بل يتعداه إلى بناء قاعدة صلبة لاقتصاد حديث، قادر على جذب الاستثمارات وتعزيز الموقع الاستراتيجي للمملكة في شمال إفريقيا والمتوسط. إذ لا تنفصل مشاريع البنية التحتية عن الرؤية الأوسع للتنمية المستدامة، سواء من حيث تحسين شروط العيش، أو خلق فرص الشغل، أو تسهيل الاندماج الاقتصادي للمناطق النائية.
ويُنظر إلى البنية التحتية باعتبارها العمود الفقري للاقتصادات المعاصرة، إذ تشمل قطاعات حيوية مثل الطرق، والمياه، والكهرباء، والاتصالات، والخدمات اللوجستيكية. والمغرب، بإدراكه المبكر لأهمية هذا القطاع، يستثمر برؤية مزدوجة: استجابة لمتطلبات اللحظة واستشراف لرهانات المستقبل.
وعلى المستوى العربي، يبقى مشهد الاستثمار في البنية التحتية متبايناً. ففي الوقت الذي تشهد فيه بعض الدول الخليجية كالسعودية وقطر والإمارات زخماً في الإنفاق والتطوير، تعاني دول أخرى، خصوصاً تلك التي تواجه صراعات مسلحة كالعراق واليمن، من صعوبات حادة تعيق تنفيذ مشاريع تنموية مستدامة.
وفي سياق إقليمي واعد، تتوقع منصة “NMSC” أن يشهد قطاع البناء في العالم العربي نمواً لافتاً، حيث يُرتقب أن ترتفع قيمته من 298 مليار دولار عام 2023 إلى 401 مليار دولار بحلول سنة 2030. وهو ما يعزز فرضية أن الاستثمار في البنية التحتية سيظل أحد أبرز مفاتيح التحول الاقتصادي في المنطقة، خاصة إذا اقترن بالحكامة والابتكار.
في ظل هذه الدينامية، يواصل المغرب ترسيخ موقعه كقوة صاعدة تراهن على المشاريع الكبرى كمدخل لتحقيق تنمية متوازنة، تراعي متطلبات الحاضر وآفاق المستقبل، في مشهد إقليمي لا يزال يبحث عن معادلة الاستقرار والازدهار.