للأسف الشديد، ما صرحت به الحكومة اليوم في إنزالها الوزاري الكثيف بمدينة الخميسات، عاصمة القبيلة الأمازيغية المهمشة زمور، يضر كثيرا بصورتها كحكومة لبلد عريق كالمغرب، ولسمعة البلد بشكل عام الذي قطع اشواطا مهمة في تدبير التعدد الثقافي واللغوي وفي انصاف اللغة الامازيغية الذي بدأ بشكل فعلي منذ خطاب اجدير سنة 2001.
الحكومة قالت أنها أطلقت اليوم مشروع تعزيز اللغة الامازيغية في الإدارة العمومية. هذا المشروع الذي انتقدناه سابقا وقلنا أنه لا يرقى إلى حجم الانتظارات وغير منسجم نهائيا مع ما تم التنصيص عليه في الدستور ولا في القانون التنظيمي لتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في التعليم والقطاعات ذات الأولوية، هذا البرنامج الحكومي الهزيل جدا، يقتصر على تشغيل أعوان موسميون عن طريق التعاقد في إطار المناولة، ليتم الاستعانة بهم في بعض الإدارات العمومية لتوجيه وترشيد المواطنين المرتفقين إلى هذه الإدارات في قطاعي الصحة والعدل، وسيتم تجريبها في بعض الأقاليم فقط وليس على مجموع التراب الوطني…
هل هذا كل ما تستحقه الأمازيغية بعد الدسترة؟ هل هذا كل ما وعد به رئيس الحكومة في حملته الانتخابية، أن يشغل أعوان موسميون لترشيد المواطنين بالامازيغية… ؟
هل هذا هو جوهر انصاف اللغة الامازيغية التي عانت من الاقصاء والاقبار والتهميش طيلة 60 سنة بعد الاستقلال؟
الحكومة روجت اليوم في لقائها بمدينة الخميسات لنفس الكلام الذي قيل سابقا ويقال دائما، نفس الأرقام، 200 مليون و300 مليون وصندوق الأمازيغية دون أن تعطي تقييما ملموسا لمردود ما تقوم به خدمة للأمازيغية في جميع تجلياتها، في الثقافة والفنون والإعلام والتعليم والادارة وغيرها… الحكومة ليست لها حصيلة تذكر في هذا الميدان، لاتزال تتحدث بمنطق الوعود الانتخابية، كلام في كلام وإطلاق الأرقام والشعارات الفضفاضة من أجل الاستهلاك الاعلامي حتى تظهر الحكومة أنها تشتغل في إطار مأسسة الأمازيغية…
أما في الواقع، فالامازيغية تعيش تراجعات ونكوصية خطيرة في ظل هذه الحكومة، بدءا بالتعليم، عدم الرفع من أساتذة اللغة الامازيغية في مشروع الميزانية لسنة 2023، عدم انتقال تدريس اللغة الامازيغية إلى المستوى الإعدادي وبقيت حبيسة التعليم الابتدائي منذ سنة 2003، عدم تفعيل التعميم وبقيت الأمازيغية محصورة في بضعة مدارس القليلة جدا في المغرب، مما جعل الأمازيغية تعيش شبه حصار داخل وطنها وداخل المدرسة العمومية… الأكثر من ذلك، الحكومة الحالية قامت بإلغاء تخصص تدريس الأمازيغية وبالتالي نهاية الاستاذ المتخصص في الامازبغية بالمدرسة العمومية، مما يعني أن 400 منصب لتدريس الأمازيغية الذي منحته الحكومة هذه السنة للأمازيغية باليد اليمنى ستنزعه باليد اليسرى، لأن في الغالب الاستاذ الذي من المفروض انه سيدرس الأمازيغية سيتحول إلى الاستاذ المزدوج وسيدرس العربية والفرنسية والرياضيات…
هل هذا هو مشروع تعزيز استعمال اللغة الامازيغية داخل الإدارات؟ هل يمكن لأية لغة أن تستمر وتتحول إلى لغة إدارة ولغة الدولة ولغة الوظيفة دون ادراجها في منظومة التربية والتكوين ودون تعلمها وتدريسها اتخاذها كلغة التدريس لمواد أخرى…
في الإعلام الذي يعتبر قطاعا حيويا للإنصاف الأمازيغية وادماجها واحيائها من جديد، ماذا قدمت وماذا أنجزت فيه الحكومة الحالية التي تتشدق بالامازيغية؟ لاشيء، أقول لا شيء. حصة الأمازيغية في الإعلام العمومي هزيلة جدا جدا، إن لم أقل منعدمة، فوضعيتها كارثية بكل المقاييس، قناة تامزيغت بقيت في وثيرة بثها المحدودة في 6 ساعات منذ 2010 تاريخ تأسيسها سنة قبل ترسيم اللغة الامازيغية، مع احتساب 30٪ من البرامج الناطقة باللغة العربية وهي الحصة التي تحترمها القناة منذ انطلاقها، مع العلم أن القنوات العمومية لم تحترم حصة 30٪ من وثيرة بثها باللغة الأمازيغية، وظلت تبث برامجها باللغة العربية والفرنسية فقط… لذلك لم نلاحظ أي تقدم ملموس في ادماج اللغة الامازيغية في القنوات التلفزية العمومية ونفس الشيء في الاذاعات والعامة والخاصة…. وهذا ما يجعل الأمازيغية تعيش تدهورا مستمرا سيؤدي لا محالة، إن استمر، إلى انقراضها…
ونفس الشيء وقع في البرلمان، نلاحظ ارتجالية كبيرة واستخفاف بمكانة اللغة الامازيغية في مجلس النواب الذي يترأسه حزب رئيس الحكومة، وهو مجلس أعلن عن مباراة توظيف 6 أطر إدارية للترجمة إلى الامازيغية وبعد أن اجتاز المتبارون المباراة تم إلغائها بدون إعطاء تبريرات معقولة ومنطقية وبقيت الترجمة في مجلس النواب مستمرة بطرق هشة تتم بصيغ المناولة…
نحن في الحركة الأمازيغية، نرى ونقيس القرارات والبرامج والمشاريع بالملموس وبالمردودية التي تمنحها هذه البرامج للأمازيغية في الواقع داخل المجتمع وداخل الشارع وداخل الإدارات وداخل المؤسسات، نقيس إرادة الحكومة في تفعيل الدستور والترسيم بعدد الوظائف المخصصة للأمازيغية في القطاعات ذات الأولية التعليم والإعلام والادارة والثقافة والقضاء والترجمة والتعليم العالي والبحث العلمي والفنون… نقيس ذلك أيضا بوقع مخططات الحكومة فعليا على واقع الفنانين والمبدعين بالامازيغية وبالصناعات الثقافية الامازبغية في السينما والمسرح والدراما وغيرها، نقيس نية الحكومة ومشاريعها في انعكاساتها على التراث الفني الامازيغي المادي وغير المادي في انصاف وتثمين المعالم الحضارية الأمازيغية وكذلك في الحفاظ على الذاكرة وتجدير ثقافة حقوق الإنسان….
أما أن تردد الحكومة أرقام وشعارات مكاتب الدراسات التي تم حبكها وتوظيبها في إطار الحملة الانتخابية…. فتلك الوعود والاكاذيب لن تنطلي علينا….
فالحكومة أرادت التغطية عن عجزها وفشلها في عدم اعتماد يوم رأس السنة الأمازيغية كعيد وطني ويوم عطلة، كما هو معمول به في الجزائر وليبيا، وقامت بهذا الإنزال إلى مدينة الخميسات لاجترار كلام قيل في عدة مناسبات دون جدوى…
هل هي أكذوبة الخميسات…