شهدت الظروف المعيشية في المغرب تطورات ملحوظة في السنوات الأخيرة، تجسدت بشكل واضح في انعكاسات السياسات الحكومية التي استهدفت جوانب اقتصادية وديموغرافية عدة.
ومع التحديات المتزايدة التي تواجه البلاد، أصبح من الضروري تسليط الضوء على آثار هذه السياسات على حياة المواطنين، خصوصًا في ظل المعطيات الراهنة التي تشير إلى تباطؤ اقتصادي وهجرة جماعية، فضلًا عن ارتفاع معدلات البطالة التي أثقلت كاهل الطبقات الاجتماعية الضعيفة.
من بين أبرز المعطيات التي تؤثر على الوضع المعيشي في المغرب هو التباطؤ الديموغرافي، حيث أظهر تقرير نشر في نوفمبر 2024 أن عدد سكان المملكة بلغ 36.8 مليون نسمة، مع تراجع معدل النمو الديموغرافي إلى 0.85% سنويًا. هذا التراجع يواكبه انخفاض معدل الخصوبة إلى 2.3 طفل لكل امرأة، ما يشير إلى تحول جذري في التركيبة السكانية.
إن هذه التحولات السكانية تجعل من الصعب على الحكومة تخطيط وتنفيذ استراتيجيات تنموية فعّالة، خاصة في المناطق الريفية التي تشهد هجرة متواصلة إلى المدن الكبرى.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الهجرة الخارجية تلعب دورًا بارزًا في هذه الأزمة، حيث تقلص السكان بمعدل 0.25% سنويًا، في الوقت الذي لا يعوضه الهجرة الوافدة.
ورغم ذلك، يبدو أن الحكومة لا تولي اهتمامًا كافيًا لهذه الظاهرة، بل تركز على سياسات اقتصادية قد تساهم في تفاقم الهجرة بدلاً من إيجاد حلول جذرية تعزز من فرص التنمية المستدامة في المناطق الأقل تطورًا.
لا يمكن تجاهل التداعيات الاقتصادية الناتجة عن الإصلاحات المالية التي فرضتها الحكومة في ظل ضغط مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي.
ففي فبراير 2025، أوصى الصندوق بضرورة تبني بنك المغرب إطارًا محكمًا لمكافحة التضخم، الذي عاد إلى الارتفاع ليبلغ حوالي 2%.
ورغم الجهود المبذولة، فإن هذه الإصلاحات لم تساهم في تحسين الوضع المعيشي للكثير من المواطنين، بل زادت من تفاقم أزمات البطالة، التي ارتفعت إلى 13.3%، ما يعني أن هذه السياسات قد فشلت في الحد من الفقر وتعزيز التنمية الشاملة.
وفي الوقت الذي نجحت فيه الحكومة في خفض العجز المالي إلى 4.1% من الناتج المحلي الإجمالي من خلال زيادة الإيرادات الضريبية، إلا أن هذا الإصلاح لم يعكس تحسنًا ملموسًا في مستوى معيشة المواطنين.
الأثر الأكبر كان واضحًا في القطاع الزراعي الذي يعاني من تبعات الجفاف المستمر، ما أدى إلى تدهور دخل العديد من الأسر الريفية.
يضاف إلى ذلك أن بعض الإصلاحات الضريبية قد أثقلت كاهل الطبقات المتوسطة والدنيا، في وقت كان من الأجدر بالحكومة التفكير في سياسات أكثر عدلاً لمواجهة هذه الأزمة الاقتصادية.
رغم التفاؤل الذي يبديه صندوق النقد الدولي بخصوص نمو الاقتصاد المغربي بنسبة 3.9% في عام 2025، بسبب انتعاش الإنتاج الزراعي والتوسع في القطاعات غير الزراعية، فإن هذا النمو يظل هشًا ما لم ترافقه سياسات داعمة للعمال المتأثرين بالأزمات الزراعية.
ومع أن الحكومة تتوقع تحسنًا في الأداء الاقتصادي، تظل الأسئلة قائمة حول كيفية توفير فرص العمل للمواطنين في ظل التحديات الكبيرة في القطاع الزراعي.
من الواضح أن الحكومة المغربية الحالية لم تنجح بعد في معالجة قضايا البطالة المزمنة أو في تعزيز تنمية متوازنة بين المناطق الحضرية والريفية.
سياسة الإصلاحات المالية رغم ضروريتها لا بد أن تترافق مع خطوات ملموسة لتوفير فرص عمل حقيقية للمواطنين، وتعزيز قطاع الزراعة بشكل مستدام، ليكون جزءًا أساسيًا من الحلول لمشاكل الفقر والبطالة.
إن سياسة الحكومة المغربية الحالية رغم تحقيق بعض النجاحات في خفض العجز المالي وزيادة الإيرادات الضريبية، إلا أنها لم تنجح في معالجة الأزمات التي تهدد الوضع المعيشي للمواطنين.
لقد كانت الإصلاحات الاقتصادية بمعظمها تركز على الأرقام المالية دون النظر إلى انعكاساتها على الطبقات الاجتماعية الأكثر تضررًا، وخصوصًا في المناطق الريفية التي لا تزال تعاني من التهميش. تتطلب المرحلة المقبلة توجهًا حكوميًا جديدًا يعتمد على سياسات اجتماعية واقتصادية شاملة تراعي احتياجات الجميع دون استثناء، خاصة في ظل التحديات التي تزداد يومًا بعد يوم.
المغرب اليوم بحاجة إلى إعادة التفكير في أولوياته الاقتصادية والاجتماعية، ووضع خطة شاملة ترتكز على دعم العمال المتأثرين بالأزمات، خصوصًا في القطاع الزراعي، وتقديم حلول مبتكرة لدعم التنمية المستدامة في المناطق الريفية.