كشفت دراسة جديدة نشرت في الدورية العلمية “ذي لانست بلانيتري هيلث” أن أكثر من 80 في المئة من الوفيات المرتبطة بالحرارة المتوقعة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحلول نهاية هذا القرن يمكن تجنبها إذا تم الحد من الاحترار العالمي عند درجتين مئويتين.
ففي دراسة جديدة، قام فريق دولي من الباحثين بقيادة “مدرسة لندن لحفظ الصحة وطب المناطق الحارة” بوضع نموذج للاتجاهات الحالية والمستقبلية للوفيات المرتبطة بالحرارة في 19 دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، درس الفريق الاختلافات في مستويات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المحتملة بمرور الوقت، والسيناريوهات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة.
وفي ظل سيناريوهات المستويات العالية من الانبعاثات، ستشهد معظم المنطقة مستويات كبيرة من الاحترار بحلول ستينيات القرن الحادي والعشرين، ما سيؤدي إلى زيادة الوفيات المرتبطة بالحرارة من نحو اثنين لكل 100 ألف نسمة حاليا إلى نحو 123 لكل 100 ألف نسمة في الفترة بين 2081 و2100.
ويتوقع أن تسجل إيران أعلى معدل وفيات سنوي في المنطقة (423 لكل 100.000)، كما ستتأثر الأراضي الفلسطينية، والعراق، وإسرائيل بشدة بمعدل 186، و169، و163 حالة وفاة لكل 100.000 على التوالي. وستشهد دول الخليج مثل قطر والإمارات العربية المتحدة، أكبر زيادات نسبية في الوفيات المرتبطة بالحرارة.
ووجد الباحثون أنه إذا كان بالإمكان الحد من الاحترار العالمي عند درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، فإنه سيكون من الممكن تجنب أكثر من 80 في المئة من تلك الوفيات.
وتعاني المنطقة بالفعل من نقص حاد في المياه، ودرجات حرارة تصل بانتظام إلى 45 درجة مئوية خلال أشهر الصيف، وهي معرضة بشكل خاص لتأثيرات تغير المناخ. وترتفع درجة الحرارة في المنطقة بمعدل ضعف سرعة المتوسط العالمي، ما يعني أنه بات يتوقع الآن أن ترتفع درجات الحرارة القصوى إلى ما يقرب من 50 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، ما قد يجعل بعض مناطقها غير صالحة للعيش.
ومع اقتراب استضافة دولة الإمارات لمحادثات المناخ الدولية “كوب 28″ في وقت لاحق من هذا العام، يتوقع أن يوجه قادة العالم انتباههم إلى منطقة تنتج الكثير من النفط الخام في العالم، لكنها أكثر من سيعاني من الانبعاثات الناتجة عن غازات الاحتباس الحراري.
وتعاني المنظومات الحيوية والمجتمعات وسبل عيشها في الجزائر ومصر ولبنان والمغرب وتونس والإمارات العربيّة المتحدة جميعها من الآثار السلبية لتغير المناخ المتسارع، بحسب آخر تقرير لـ”مختبرات غرينبيس للبحوث” في جامعة إكسيتر في المملكة المتحدة بعنوان: “على شفير الهاوية: تداعيات تغيُّر المناخ على ستة بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.
يبيّن التقرير، الصادر نهاية السنة الماضية، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعاني من ظاهرة الاحترار بوتيرة تقارب ضعف المعدل العالمي، ويوضح مدى عرضة المنطقة للآثار والتداعيات الخطيرة الناجمة عن تغير المناخ، بما في ذلك الشح الحاد في المياه.
وبناء على ما جاء في التقرير من نتائج وحقائق علمية، تطالب غرينبيس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا القيادات العالمية بالعمل على تحقيق العدالة المناخيّة، من خلال إنشاء صندوق لتعويض الدول والمجتمعات التي تواجه أخطر الآثار لتغير المناخ نتيجة الخسائر والأضرار التي لحقت بها، بالإضافة إلى الوفاء بالتعهدات التي تم الإعلان عنها سابقاً في مجال التكيّف والحد من المخاطر، وضرورة تمويل المسارات الإنمائية البديلة لهذه الدول من خلال الهبات بدلا من القروض.
مع إصدار التقرير، تقوم غرينبيس أيضا بنشر مجموعة من الصور والأفلام الوثائقية القصيرة، التي تسرد واقع الحال للعديد من الموائل الطبيعيّة والمجتمعات التي تجد نفسها في الخط الأمامي لآثار تغير المناخ، والتي تظهر أهمية العمل على تحقيق العدالة المناخية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وقالت كاثرين ميلر، المستشارة العلمية في مختبرات غرينبيس للأبحاث: “من الواضح أنّ الكثير من البلدان في المنطقة تشهد بشكل طبيعي ظروفًا جافة ودافئة للغاية مقارنةً بأجزاء أخرى من العالم، مما يجعل الحياة صعبة للوهلة الأولى، وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من التنوع الملفت في أنماط الطقس والمناخ سنةً بعد أخرى، يبدو الآن واضحًا أنّ المنطقة ككلّ ترتفع حرارتها بمعدّل متسارع يصل إلى 0.4 درجات مئوية لكلّ عقد منذ ثمانينات القرن العشرين، أي ما يعادل ضعف المعدّل العالمي”.
وقال الدكتور جورج زيتس، عالم الأبحاث المساعد، معهد قبرص، مركز أبحاث المناخ والغلاف الجوي: “يقدّم هذا التقرير لمحة عامة عن الأدلة المتوفرة من الدراسات العلمية والتقييمات المرتبطة بالاتجاهات الماضية، والملاحظات القائمة، والتوقعات المستقبلية بشأن تغيُّر المناخ وتأثيره في العالم الطبيعي والمجتمعات البشرية في أنحاء المنطقة، التي تشكّل فيها أصلاً مسائل الحرارة والإجهاد المائي وتهديد الأمن الغذائي واقعًا يوميًا”.
وقالت الدكتورة مها خليل، أستاذة مساعدة، قسم الأحياء في الجامعة الأميركية في القاهرة: “نتائج وآثار التغير المناخي على التنوّع البيولوجي البحري والأرضي خطيرة، فقد تستطيع بعض أنواع الكائنات التأقلم والتكيّف مع الظروف المتغيّرة، أو الهجرة إلى مناطق أخرى أقل تضررا، ولكن الصعوبة تكمن في عدم توافر المعلومات والدراسات التاريخيّة عن الحالة الأصلية لها قبل التغيرات التي نشهدها اليوم، ما يصعب التنبؤ بالمستقبل. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي الاحترار في المياه السطحية في البحر الأحمر إلى ابيضاض واسع للشعاب المرجانية فيه وموتها”.
وقالت غِوى نكت، المديرة التنفيذية لمنظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: “الأرواح تُزهَق، والمنازل تُدمَّر، والمحاصيل تتلف، وسبُل العيش تضيق، والتراث الثقافي يُمَّحى، غير أنّ الملوِّثين التاريخيين الذين أسهموا في هذه الخسائر والأضرار يرفضون الالتزام بمبدأ “تغريم الملوِّث” والتعويض عن الخسائر والأضرار التي تتكبدها مجتمعات الجنوب العالمي، ومازالت تعاني منها”.