الحدث بريس : الصادق عمري علوي.
انتفض الشيخ معبرا عن أسفه المرير لتمرير القانون الإطار الخاص بالتعليم في سياق الرد عما ورد فيه محذرا من أن حزب الإخوان انطلاقا من مرجعيته الاسلامية ، لايليق به أن يتخلى عن مبادئه التي سطرها ، وخصوصا والأمر يتعلق باللغة العربية التي لايجب أن نفرط بها أمام لغة المستعمر ، لأن ذلك يعتبر إعطاء مزيد من التحكم للوبيات على حد قوله.
وعلى أساس هذا المنحى فإن “اللغة العربية بالنسبة للشيخ مبدأ في وثائق الحزب”و أن “أضحوكة الزمان ( تتمثل ) في أن حزباً بمرجعية إسلامية ، يتنازل عن اللغة العربية في التعليم ،ويحل محلها لغة الإستعمار، هذه مصيبة فضيحة ” خايبة حتى للتعاويد”، على حد تعبيره وهو كما يعلم طافحة خطاباته بشعبوية جامحة محببة لديه حد الهيام .
لكن الشيخ الثاني وإن كان راضيا في العمق عن خرجات صاحبه والتمس الصلح معه لاحقا موهما الجمهور أن “أولى هذه المبادئ هي الوطنية بمفهومها الشامل التي تجمع بين المرجعية الإسلامية والملكية الدستورية ” وحسب هكذا دليل فهبة الشيخ وانتفاضته من بيته لا معنى لها ،وإنما هي محض مزايدة وفرصة للخروج والدروج ، بعد أن مل جلوس التقاعد الذي أدى به إلى التباعد .
في حين أن الشيخين ربما لم ينتبها في الزحمة والضباب كون الدستور كان واضحا في هذا الباب ، فأحبا أن لا يحتكا بالمناكب، ويمارسا عبر وسائل الإعلام شيئا من “الدغمائية ” بالتأكيد على حسن النية اتجاه المؤسسات ، حينما ينتابهما الخجل مما يصدر عنهما من تصريحات .. فأمر العربية محسوم دستوريا وكلاهما يعلم أن القيم ،والهوية، والوطنية واللغة لاتستقيم والتشطير ، وكلها ليست ملكا مشاعا لحزب معين، وإنما هي مسؤولية تتقاسمها الدولة والأحزاب والمجتمع المدني والشعب بكل أطيافه ومكوناته فالوطن والوطنية ملك لكل المغاربة وليست للمزايدة .
الشيخ الثاني يبرر موقفه بقوله : ” قد تكون بعض القرارات ” مغلوطة ” … والغلط (الخطأ ) قد يقع أثناء ممارسة السياسة ، وهذا كثيرا ما يقع ليستوي الطرح ، وتحدث التوافقات ، وقد تكون مغلوطة كذلك بالنظر لتحقيق الرغبات،المنحى الأخف ضررا للمحافظة على تماسك الجبهات ، وجبر الخواطر بالتغافل في مثل هذه الملمات العصيبة التي يمر منها الحزب بسبب تلك الخرجات . وهل لايعرفان ؟ وهما يعرفان .! أن الخرجات العنتريات في الساحات تزيد الإحتقان الإجتماعي و التصدعات بين المكونات .
قيل قديما ” كل عداوة أصلها مزاح … ” حينما يتجاوز المزاح خطوطه الحمراء ، وهو مرض إستفحل ، ويعيه جيدا كلا الرجلين لكن يريدان استمرار ” الملح والنوادر ” والمزيد من مرويات واختراعات التنكيت ” والتقشاب ” إضحاكا للمغفلين .. وإضهارا للأتباع مزايا الإختلاف المحمود ،مقدمين لهم انطباعا أن الحزب تسوده الديمقراطية وإن كان هذا المصطلح لايستساغ في أدبيات التنظيم .
قد يظهر في صخبهم وخلافهم أن ليس هناك خيط رفيع يمنظمهم – نستثني منهم البعض الذين ربما هم بمعزل عما يحاك في الخفاء ، والذين قد لا تعجبهم خرجات إخوانهم ولكن ماذا عساهم يفعلون ، وقد تخندقوا في أتون المعضلة ؟
الخرجات المتضاربة لقادة العدالة والتنمية لاتدل على نسيانهم وتجاهلهم لما تلقوه من قيم وتعاليم الحديقة الخلفية كأتباع بالإنتماء والولاء ، لأنها منقوشة في وعيهم الجمعي ، ولا تدل على خيبات الدراع الدعوي فيما ينشر عن أتباعه من أمور مخجلة أثناء خرجاتهم و التي تبلغ دون حياء حد الصفاقة و ” والضسارة ” في كثير من المحطات الحزبية أمام شبيبة الحزب التي تستحلي الكلام النابي وتقف لساعات مصفقة لزعيم الحلقة مستمعة ، مستمتعة بمقامات دون مستوى الحريري، وما ينسجه عن ذوي الشأن ، و ما يكيله لخصومه من سب وشتم أمام الملأ ” . ومنها (المثقفة ) التي تقف مذهولة أمام براعة الشيخ ورياضته الحنكية الحكائية ” كزعيم ناذر سليط اللسان ، بلغ فن السخرية لديه مبلغا تجاوز فيه الأعراف والتقاليد سائقا لكثير من النوادر والملح والحجج لاستمالة البسطاء لدوامة العماء والجهل المطبق .
فالغاية الفضلى للزعيم هي التمكين للغباء نحو ” الولاء ” ، وبه يحصل للجماعة الإستحواذ والنماء ولو كان على حساب سؤال ماذا نريد الآن من اللغة العربية هل سيكون مصيرها حتى هي أن نختار لها مسارا للتسييس المبرمج ، دون السعي بنية صادقة لإلحاقها حثيثا بركب التقدم والتطور العلمي والتقني ؟
والجميع يعلم أن الحضارة العباسية لم تشهد التطور الذي شهدته لولا التلاقح الثقافي واللقاء الحضاري الذي تم بين اللغة العربية وباقي اللغات .
فكيف نؤمن بعودة المسيح عيسى عليه السلام في آخر الزمان ونبعد لغة قومه الفرنسية المنبثقة عن اللاتينية ، ونريد للغة العربية أن تسود بقمع اللغات الأخرى ؟ هذا هو التناقض الذي يقع فيه رجال الدين الذين يركبون الحافلات من صنع فرنسي ويسبون لغة صانعها وملته وهذه أرقى أنواع الشوفينية والاستبداد .
المشكل ليس في اللغة الفرنسية (كلغة علم ) المشكل في تفكير وعقلية الإنسان الذي يؤمن بالسيطرة والاستعمار وهذا الذي يجب التصدي له وليس اللغة الفرنسية في حد ذاتها.
لا يمكن القول البتة بأن دهاقنتهم المرشدون يعتبرون ذلك مروقا عن ” المنهج ” المسطر لهم فيما يفعلون و ما سيفعلون ، لأنهم يعلمون مسبقا أنه بمجرد دخول مريدي الحركة عالم السياسة حتى تحدث البلبلة والحيرة في المجتمع وتلك غاية الغايات .
ولا يمكن ادعاء انعدام تواصل الأتباع مع الجناح الدعوي لأن ذلك أصبح يسيرا ويتحقق الآن داخل مؤسسات التعليم الخصوصي … وربما يقول قائل لقد انعدمت زيارتهم للبيت الدعوي ، القطب الموجه .. فأصبحت الحركة الآن يتيمة لايزور مقراتها وحتى موقعها الإلكتروني إلا ثلة من المريدين ، وحالهما يقول ” لاحول ولا قوة إلا بالله ” لماذا تغير أولادي عني ؟ ما الجديد في الأمر وما الذي تغير ياترى ؟ ألم يكن السادة الأفاضل : بنكيران والشوباني هنا ؟ … لماذا جفا هؤلاء مسلك و خطابة ” الخطيب ” ؟ واتبعوا ماتتلوا الشياطين على ملك سليمان …
الذي نستغرب له حقيقة في الدولة الوطنية بالمفهوم الحديث ، دولة المؤسسات .. أنه يتم الحديث اليوم عن دراع دعوي ينظم ويوجه ويدعم تنظيما حزبيا ويفرض الشروط و المنحى والمسار داخليا وخارجيا ..!
وهنا يحق لنا أن نتساءل بموضوعية هل هناك حزب في المغرب اليوم يشارك في تسيير الشأن العام وله دراع دعوي مما يفسح المجال على مصراعيه لتسير الأمور الدينية وخلطها بالحقل السياسي وبشكل أدق يشرعن سير السفينة بربانين دينيين فمن الأقرب للحقيقة هل صاحب المذهب الذي عاش في القرن الأول للإسلام بالمدينة المنورة ومنه كان الرواء الروحي بالسند الصحيح الصريح تاريخيا … أم الذي انبثق بعد ذلك بالعراق ؟
يتبع ….