في حوار خاص مع صحيفة “إل إيكونوميستا” الإسبانية، سلط كريم زيدان، الوزير المكلف بالاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية، الضوء على المكانة المتعاظمة للمغرب كقطب استثماري جاذب في القارة الإفريقية وحوض البحر الأبيض المتوسط. وأبرز أن هذا التموقع لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج سياسة إصلاحية متكاملة قادها الملك محمد السادس، مكنت المملكة من ترسيخ مقومات تنافسية فريدة في ظل التحولات الجيواقتصادية العالمية.
وفي سياق تحليل الظرفية الاقتصادية الدولية، أشار الوزير إلى أن ظاهرة “النيرشورينغ” أو إعادة توطين الإنتاج تشكل فرصة ذهبية للمغرب بفضل موقعه الجيوستراتيجي الفريد، الذي يجعله جسرًا طبيعيًا بين أوروبا وأفريقيا. وأكد أن المملكة تتوفر على جميع المقومات اللازمة لتصبح شريكًا أساسيًا في إعادة تشكيل سلاسل القيمة العالمية، بدءًا من الاستقرار السياسي والاقتصادي، مرورًا بالبنية التحتية المتطورة التي تضاهي نظيرتها الأوروبية، ووصولًا إلى التكاليف التنافسية والقوى العاملة المؤهلة.
وعلى صعيد البنية التحتية، أبرز زيدان أن المغرب يمتلك منظومة متكاملة تشمل ميناء طنجة المتوسط كأحد أكثر الموانئ dinamismo في المنطقة، إلى جانب شبكة القطارات فائقة السرعة التي تربط بين المراكز الاقتصادية الرئيسية. وأضاف أن هذه الأصول الاستراتيجية مدعومة بإطار قانوني محفز للاستثمار، وشبكة واسعة من اتفاقيات التبادل الحر تمنح المستثمرين إمكانية الوصول إلى سوق استهلاكية تزيد عن ملياري مستهلك.
وفيما يخص القطاعات الواعدة، كشف الوزير عن تركيز الاستراتيجية الوطنية على الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، مثل قطاعات السيارات والطيران والصناعات الدوائية، حيث أصبح المغرب أول مصدر للسيارات في أفريقيا بفضل وجود منظومة صناعية متكاملة تضم كبريات الشركات العالمية. كما أشار إلى الاهتمام المتزايد بقطاعات المستقبل مثل الطاقات المتجددة، خاصة الهيدروجين الأخضر، حيث تدرس السلطات المغربية 7 مشاريع كبرى من بين 40 عرضًا تلقته في هذا المجال.
ولفت زيدان الانتباه إلى الفرص الاستثمارية الواعدة في القطاع السياحي، خاصة مع استعداد المغرب لاستضافة تظاهرتين رياضيتين كبيرتين: كأس الأمم الإفريقية 2025 وكأس العالم 2030 بالمشاركة مع إسبانيا والبرتغال. وأكد أن هذه الأحداث ستكون محفزًا قويًا لتطوير البنية التحتية السياحية وخلق فرص عمل في مختلف الجهات.
وفي معرض حديثه عن الإصلاحات الهيكلية، استعرض الوزير أبرز المحطات التي قطعها المغرب لتحسين مناخ الأعمال، بما في ذلك اعتماد الميثاق الجديد للاستثمار في 2022 الذي يقدم حوافز تصل إلى 30% من قيمة المشاريع في المناطق الأقل نموًا. كما أشار إلى إحداث هيكلة جديدة لحكامة الاستثمار تهدف إلى تبسيط الإجراءات وتسريع وتيرة الرقمنة، مما يجعل المغرب من بين أكثر الوجهات جذبًا للاستثمار في المنطقة.
وبخصوص العلاقات الاقتصادية مع إسبانيا، أكد زيدان على تزايد اهتمام الشركات الإسبانية بالمغرب كوجهة مثالية لإعادة توطين الإنتاج، خاصة في قطاعات السيارات والنسيج والصناعات الغذائية. وأبرز أن المملكة توفر للمستثمرين الإسبان ميزة الوصول التفضيلي إلى السوق الأمريكية بفضل اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة، وهي ميزة نادرة يتقاسمها المغرب فقط مع الاتحاد الأوروبي.
وفي ختام حديثه، وجه الوزير رسالة واضحة للمستثمرين الدوليين، مؤكدًا أن المغرب لم يعد مجرد وجهة تنافسية من حيث التكاليف، بل تحول إلى منصة إنتاجية متكاملة توفر منظومة صناعية حديثة وموارد بشرية مؤهلة. ودعا الشركات الإسبانية والأوروبية إلى اغتنام الفرص الاستثمارية الواعدة التي توفرها المملكة، والمساهمة في بناء شراكة اقتصادية متينة عبر المتوسط، تكون قادرة على مواجهة التحديات العالمية وخلق نمو مستدام للجميع.