يتراجع عدد المواليد حول العالم بشكل مقلق، بينما ترتفع معدلات العقم و تزداد الحاجة إلى إجراءات طبية معقدة ومكلفة لتحقيق حلم الإنجاب.
و أطلقت عدة حكومات تحذيرات صريحة بشأن مستقبل البشرية، في ظل مؤشرات علمية تزداد وضوحا بأن هناك أزمة خصوبة عالمية تلوح في الأفق.
و كشفت سلسلة من الأبحاث المتنامية أن عدد الحيوانات المنوية لدى الرجال آخذ في الإنخفاض بمعدل خطير.
إذ تشير التقديرات إلى أن عددها إنخفض بنسبة تصل إلى 60% خلال جيل واحد فقط.
و فيما كان التراجع السنوي في أعداد الحيوانات المنوية قبل عام 2000 يقارب 1%، فإن المعدل قد تضاعف منذ ذلك الحين.
و بحسب دراسة تحليلية شاملة قادها باحثون من الجامعة العبرية في القدس، إستنادا إلى بيانات أكثر من 42 ألف رجل من أمريكا الشمالية و أوروبا و أستراليا و نيوزيلندا، إنخفض متوسط عدد الحيوانات المنوية من 104 ملايين لكل مليلتر في عام 1973 إلى 49 مليونا/مل في عام 2018.
و يشير البروفيسور هاجاي ليفين، أحد معدّي الدراسة، إلى أن العتبة التي تبدأ عندها مشكلات الخصوبة الحقيقية هي 40 مليونا/مل.
و يتجه بعض الخبراء إلى تحميل المواد الكيميائية المنتشرة في بيئتنا مسؤولية هذا الإنخفاض، خصوصا ما يعرف بـ”معطّلات الغدد الصماء”؛ و هي مواد موجودة في العديد من المنتجات اليومية، مثل الإيصالات الورقية و علب الحليب و المرطبات. و تعمل هذه المواد على محاكاة الهرمونات الطبيعية في الجسم، ما يؤدي إلى إضطرابات في النظام التناسلي.
و لعلّ الأكثر إثارة للجدل هو ما أشارت إليه بعض الأبحاث من أن دواء “الباراسيتامول”، و هو مسكن يستخدم يوميا من قبل الملايين دون وصفة طبية، قد يحدث أضرارا مباشرة في خصوبة الرجال.
و يرى باحثون من جامعة برونيل في لندن أن الباراسيتامول قد يقلل من إنتاج أكسيد النيتريك المسؤول عن حركة الحيوانات المنوية، كما قد يؤثر على معالجة هرمون التستوستيرون.
و قد وجدوا في دراسة أجريت على عيّنات بول من 1000 رجل دنماركي أن جميعهم تقريبا تجاوزوا المستويات الآمنة من الباراسيتامول.
و يزداد القلق حين يتعلق الأمر بإستخدام الباراسيتامول من قبل النساء الحوامل، حيث تظهر الدراسات أن تعرّض الجنين الذكر لهذا الدواء خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل قد يضعف نمو الخصيتين، و بالتالي يؤثر على إنتاج الحيوانات المنوية في المستقبل.
و يحذر الدكتور رود ميتشل، أستاذ الغدد الصماء في جامعة إدنبرة، من تناول النساء الحوامل هذا الدواء خلال الثلث الأول من الحمل، إلا إذا كان ذلك ضروريا و بأقل جرعة ممكنة.
و رغم قتامة المشهد، تقود البروفيسورة شانا سوان، و هي واحدة من أبرز الخبراء في مجال الصحة الإنجابية، دراسة جديدة تهدف إلى إختبار ما إذا كانت بعض التغييرات في نمط الحياة قادرة على تحسين الخصوبة.
و تشمل هذه التغييرات : إستبدال المنتجات المعطرة ببدائل خالية من المواد الكيميائية، و تجنّب الأطعمة المصنّعة، و التقليل من إستخدام المواد البلاستيكية في المنازل.
و تقول سوان أن النتائج الأولية تظهر أن هذه التعديلات البسيطة يمكن أن تحدث فارقا ملموسا، مؤكدة : “يتطلب الأمر إنتباها و إرادة، و لكننا نستطيع تقليل تعرضنا للسموم و تحسين فرصنا في الإنجاب”.