بعد اقتحام السلطات الجزائرية لمزارع العرجة بفجيج، عمد الكثير من المتابعين إلى فتح ملفات الحدود بين المغرب و الجزائر، و عادوا لاتفاقية ما سمي ” الأخوة والتعاون و حسن الجوار” المبرمة بالرباط في يونيو 1972، و تبين أخيرا للكثير منهم أن ديباجة هذه الاتفاقية تنطلق من كل المعاهدات المبرمة بين المملكة المغربية و الجزائر، و ترتيبا على ذلك فإنها، أي الديباجة، تعد هامة بله مصدرا و مرجعا لاتفاقية رسم الحدود في حالة الاختلاف والتأويلات وفي عوائق التنفيذ والتطبيق، و لعل أهم الاتفاقيات المشار إليها في الديباجة هي اتفاقية للا مغنية لسنة 1845 و اتفاق باريس لعام 1901 و 1902 و 1904 و قد يضاف إلى كل ذلك بروتوكول 1961 الذي أبرمته الحكومة الجزائرية المؤقتة مع المغرب.
ففي اتفاقية للامغنية يشير البند الخامس فيها إلى أن القصور التابعة للمغرب هي إيش و فجيج و القصور التي تخضع للجزائر هي العين الصفراء، الصفصيفة، تيوت، شلالة، البيض و بوسمغون. وفي المادة السادسة اتفق الطرفان على أن القصور الواقعة في الجنوب فهي لكلا الحكومتين، مادام لا يوجد بها ماء و أنها غير مأهولة باعتبارها أرض فلاة، و أضافت الاتفاقية أن التحديد في هذه النقطة سيكون غير مجد، و لا طائل من ورائه ( superflue ) .
إن من بين القصور التي اعتبرت لكلا الحكومتين، نذكر على سبيل المثال قصور بني ونيف و بشار و القنادسة و العبادلة و تبلبالة و غيرها، بيد أن بعض هذه القصور التي اعتبر اتفاق باريس لسنة 1901 أن لسكانها الحق في اختيار الجنسية التي يريدون ستفقد هذه الخصوصيات و هذه المكتسبات عقب استقلال الجزائر سنة 1962 وبعد اتفاقية الحدود لسنة 1972 التي أحالت على الاتفاقيات السابقة لكنها خرقتها و ناقضتها و بالتالي غمطت حقوق السكان و شكلت تراجعا خطيرا على مكتسباتهم التي انتزعوها بكفاحهم و نضالهم ضد المستعمر الفرنسي و قبله الغزو التركي.
إن القصور الواقعة في الجنوب، لم تعد بعد استقلال الجزائر لكلا الحكومتين، فلقد انفردت بها الجزائر وفرضت جنسيتها على السكان ما عدا أولئك الذين التحقوا بالمغرب و يوجدون تحت إدارة قيادة دوي منيع، و ترتب عن ذلك انقسام الأسر بين الدولتين وضياع الكثير من حقوقهم، فالمستقرون بالمغرب سيفقدون ممتلكاتهم التي تركوها خلفهم و لم يعد ميسرا لهم الانتفاع منها، كما سيحرمون من الكثير من الحقوق الانسانية كالحق في إحياء الرحم و التجمع العائلي، وبذلك فإن اتفاقية 1972 تناقض ما تحيل عليه في ديباجتها، و تبين ذلك بالملموس أثناء ترسيمها على أرض الواقع فاتضح أنها مسيئة جدا لسكان الحدود، ففي العديد من الأماكن شكلت هذه الاتفاقية اعتداء على قوت المواطنين، ففي بوعنان وتحديدا بزاوية الحجوي ستصادر سبخة الملح من السكان الذين ظل الملح موردا هاما في حياتهم، و في منطقة العرجة ستقتطع الجزائر جزء آخر من أراضي قصور فجيج، أما بالنسبة للمغاربة المقيمين بالرشيدية و فجيج و غيرها من المدن المغربية و المنحدرين من الصحراء الشرقية لاسيما من العبادلة والقنادسة وبشار والعين الصفراء فهؤلاء فقدوا كل شيء، الأراضي سيطرت عليها الجزائر، و حرمتهم من كل ممتلكاتهم ما داموا قد اختاروا الجنسية المغربية والبقاء داخل التراب الوطني .
بعد الشروع في تنفيذ مقتضيات اتفاقية الحدود من طرف واحد، أي من قِبَل الجزائر، وجد السكان في مناطق الحدود أنفسهم أمام اتفاقية لم تحترم الوضع الموروث عن الاستعمار، فعقب استقلال الجزائر سنة 1962، و رغم ما حازته من تراب لم يكن متوفرا في فترة حكم الأتراك للجزائر ولا كان في حقبة الاستعمار الفرنسي مثلما هو اليوم، و على الرغم من تبنيها ودفاعها المستميت عن مقولة الحدود الموروثة، فإن اتفاقية الحدود و تنفيذها من قبل الجزائر في فترات متفاوتة يبين أن الجزائر قد خرقت هذا المبدأ ولم تعد تحترم الحدود الموروثة عن الاستعمار، فكل التراب الذي صادرته من المغرب بعد استقلالها يعد خرقا لما تومن به وتدعو له، فالعرجة و سبخة الملح و عش البرابر و غيرها من المواضع هي حدود ورثها المغرب عن الاستعمار، ومنحتها اتفاقية الحدود المبرمة في وضعية استثنائية، للجزائر، وبذلك فالاتفاقية المبرمة مع الجزائر في سنة 1972 تعد خرقا للمبدأ الذي فرضته الجزائر على منظمة الوحدة الافريقية في حقبة معينة، و هو ما يعني أن الجزائر باقتحامها للعرجة خلال هذه السنة و مناطق أخرى قبلها قد وأدت هذا المبدأ و فتحت الباب أمام مقاربات أخرى .