ليس في العادة إغفال القضايا الأساسية للبلاد، والتركيز على قضايا ذاتية أو حزبية، ولكن توالي الإستهدافات وإصرار مقترفيها على الإنبعاث من جحورهم مرة أخرى لتوجيه الضربات إلى حزب التقدم والإشتراكية وقيادته، فرض التوقف قليلا عند الأمر.
لقد وقع إستهداف إسماعيل العلوي أولا، ثم تلاه خالد الناصري، وجاءت فضيحة فبركة فيديو يعود لعام 2011 بمدينة الناظور وتقديمه كما لو أنه صور خلال مسيرة الأحد الماضي بالرباط، وذلك لإستهداف نبيل بنعبد الله من خلاله، ثم جرى تركيز التهجم على الحسين الوردي…
وأول أمس الثلاثاء، تطوع برنامج تلفزيوني على قناة”الأولى” ليكشف للناس أجمعين هوية ووجه من يقود كامل هذا الإستهداف ويوجهه، وفِي اليوم نفسه بدا أثناء جلسة برلمانية إصرار تيار حزبي معروف على إستهداف الحسين الوردي ضمن اللعبة السمجة ذاتها.
يصعب فعلا التعليق على سعار أصاب الجهة الحزبية المعلومة، خصوصا جراء ما يلفها هذه الأيام من رفض شعبي عام في الريف وخارج الريف، ويصعب صياغة قراءة أو مجرد توصيف موضوعي لما يقترفه قياديوها…
إن الأمر هو أقرب إلى طيش صبياني أرعن منه إلى… السياسة.
الجهة الحزبية المعلومة تسيطر على كل الرئاسات في الحسيمة ونواحيها، وفِي عموم أقاليم الريف، ومع ذلك هي لا تريد أن تعترف ولو بجزء صغير من مسؤوليتها على الأوضاع التي بلغتها المنطقة…
هذه الجهة نفسها لم يقدها عقلها العبقري سوى إلى المطالبة بإستقالة الحكومة أو إستقالة وزير الصحة، ولم تَر أي داع للإعتراف بدورها، أو للإقرار بكون ميلادها نفسه يعتبر من ضمن أسباب كل هذا العبث الذي وصلت إليه السياسة عندنا.
أما أول أمس، فقد تفرجنا عبر التلفزيون على لعبة الصعود إلى أعالي سماوات المزايدة والشعبوية، ثم كيف يمكن لهذا الصعود أن يهوي بمقترفه مباشرة إلى… الإنتحار.
الآن، هل هذه الإستهدافات التي توجه نحو التقدم والإشتراكية، ومن لدن جهة معلومة لم تنجح حتى في إخفاء وجهها و… بلادتها، بريئة وبلا تخطيط؟ وإلى أين يريد صناعها أن يصلوا بالضبط؟
وعندما يأتي كبير هذه الجهة الحزبية المعلومة إلى بلاطو القناة العمومية الأولى، ويقول ما قاله، وباللغة التي يريد، فهل هذا يساعد على تهدئة الأجواء العامة في الحسيمة أم يَصب زيت الإشتعال والتوتر؟ ولأية أهداف بالضبط؟
التقدم والإشتراكية، من جهته، ما فتئ ينادي بالهدوء لإفساح المجال لإنجاز الإصلاحات وتلبية المطالب الإجتماعية للساكنة، لكن الجواب ورد في برنامج أول أمس الثلاثاء على القناة الأولى، وهو أن هناك من يريد حل مشاكل البلاد ب”تخراج لعينين”، وتوزيع الشتائم على الجميع، وتهديد من يخالفه الرأي أو التشنيع به.
الغريب أن ضيف قناتنا العريقة يريد، مع ذلك، أن يتحلق حوله كل هؤلاء اللذين شتمهم وهددهم، ويحضرون معه مناظرة تهتم بما يجري في الحسيمة.
بالفعل نحن نحتاج هنا إلى السياسة، ونحتاج إلى … عقلنا.
أما حزب التقدم والإشتراكية، فهو يقدم الدليل كل مرة على صوابية مواقفه ومقترحاته ومطالبه، وسبق أن نبه في أكثر من مناسبة، وحذر مما وصلنا إليه اليوم على صعيد الأوضاع الإجتماعية والقضايا المؤسساتية والسياسية والديموقراطية، وهو مستمر في الإصرار على مواقفه وعلى إستقلالية قراره.
الأهم اليوم، أن البلاد تعاني من مشاكل حقيقية، وتواجهها تحديات كبرى، وليس هذا وقت فبركة فيديوهات بليدة أو نشر إشاعات مغلوطة على مواقع التواصل الإجتماعي، وإنما هو وقت الإعتراف بكل الأخطاء التي قادت البلاد إلى ما تعانيه اليوم، وبالتالي الإقرار بفشل المخطط الذي إستهدف ضرب الأحزاب الديموقراطية الحقيقية وتبخيس عمل المؤسسات، ثم التأسيس لمرحلة جديدة.
من المستحيل أن تنجح بلادنا في إستعادة المصداقية والثقة في ظل إستمرار سلوكات طائشة بلا نظر أو عقل، على غرار ما قيل وأقترف أول أمس من على التلفزيون.
لقد أضرت مثل هذه المراهقة السياسية الرعناء ببلادنا، وصارت مجرد”بسالة”لن تنفع المغرب في شيء.
بقلم: محتات الرقاص