منذ أن وطأت قدم من سمت نفسها ب “حكومة الكفاءات” بلاط السياسة المغربية، وهي تعلن عن نفسها بأنها الأمل المنتظر، والحل الناجز لأزمات البلاد المتراكمة.
ولكن، هل كانت هذه الحكومة بالفعل على قدر تطلعات الشعب؟ أم أنها أصبحت جزءًا من الحكاية التي يتحدث عنها المواطن المغربي في مجالسهم الخاصة، ويحكيها الصحفيون و المواطنين الغيورين بنبرة نقدية ساخرة في صفحاتهم؟
لنبدأ من حيث يجب أن نبدأ: من غلاء الأسعار الذي بات يُرهق جيوب المواطنين، في الوقت الذي تتفاخر فيه الحكومة بارتفاع صادرات “الأفوكادو” إلى 105 آلاف طن، دون أن تكترث بأن المواطن المغربي الذي كان يُقال له يومًا “أرضك خضراء” أصبح اليوم يواجه ضائقة حقيقية في تأمين لقمة عيشه.
أليس العجب في أن يُصدَّر الماء في أكياس من الأفوكادو، بينما تُغلق الحمامات ويُصارع المواطن لأجل الحصول على قطرة ماء.
ومنذ متى أصبح “المغرب الأخضر” يهدد الأمن الغذائي؟ يبدو أن هذه الحكومة التي طالما رددت شعارات التنمية المستدامة، كانت تزرع بذور “التنمية غير المستدامة”.
في الوقت الذي كانت فيه الأعين تراقب زراعة سلالات هجينة في الأراضي الفلاحية، تم إهمال تلك السلالات الوطنية التي تعايشت مع الأرض لآلاف السنين. وهكذا، نجد أنفسنا اليوم، أمام مشهد مأساوي حيث تتأرجح الثروة الحيوانية بين الفناء والهلاك.
إذا كانت حكومة الكفاءات قد حملت شعارات التحديث والتطوير، فإن بعض قراراتها لم تكن سوى اختيارات تقود إلى استمرار “الريع” في ساحة الاقتصاد.
وزير يشتري سيارات ويستورد لحومًا، وآخر يعقد صفقات بمبالغ خيالية مع شركات يعرفها الجميع. ماذا يمكن أن نسمي هذا؟ هل هو فساد مفضوح، أم أن “الكفاءة” تقتصر فقط على التفنن في إدارة المال العام؟
لقد أصبح “الريع” في المغرب أكثر من مجرد كلمة تُذكر في زوايا المجالس، بل أصبح سلوكًا تمارسه الحكومة بلا خجل.
“حكومة الكفاءات” التي تدّعي أنها تمثل النخبة الاقتصادية، باتت تتحول إلى ساحة تكرس سيطرة المال على السياسة، وتفتح أبواب المناقصات أمام المقربين.
“مول الحانوت”، الذي لطالما كان رمز التجارة البسيطة والهادئة في قلب الأحياء الشعبية، أصبح اليوم ضحية سياسة الاحتكار التجاري التي تُديرها هذه الحكومة.
لا تسعف هذه الحكومة أحدًا في فك عقال الفقر، بل إن مشاريعها الكبرى تأتي على حساب قوت اليوم للمواطن البسيط. في وقت يتزايد فيه نمو المساحات التجارية الكبرى، تتسارع معدلات الإفلاس في صفوف التجار الصغار.
كيف لا؟ والمسؤولون يرفعون شعارات “المنافسة الحرة”، بينما يتسببون في سحق الأصوات الضعيفة التي تشكل عصب الاقتصاد الوطني.
هل يمكننا أن نصدّق أن مشاريع الحماية الاجتماعية ستتحقق في ظل هذه الفوضى؟ في مناطق مثل الحوز، حيث الألم لازال يخيم على أهلها ، والزلزال ألقى بظلاله على أرواح مواطنيها ، لا نرى أي أثر حقيقي لسياسات حكومية تضمن حياة كريمة للمواطنين.
ففي الوقت الذي كان ينبغي فيه على الحكومة أن تظهر جاهزيتها في التعامل مع الأزمات، كانت “الكفاءات” تضع حلولًا نظرية لا صدى لها على أرض الواقع.
إذا كانت “السيبة” مرحلة تاريخية مرّت على المغرب، فإن حكومتنا الحالية قد أعادت لها الحياة.
فها هي الأسعار تصل إلى مستويات غير مسبوقة، في وقت تُركت فيه الأسواق للمتحكمين في مصير المواطن.
كيف يُحتمل أن يستمر هذا الوضع؟ وكيف يكون لهذه الحكومة القدرة على مواجهة الفساد حينما لا تُبدي أي اهتمام بوقفه؟
حكومة “الكفاءات” التي ترددت أصداؤها في كل زاوية وركن، أصبحت اليوم حديث الناس في كل زاوية ومجالسهم.
لا يمكننا أن نغض النظر عن واقع الفشل الذي تعيشه البلاد في ظل سياسات تزداد تعقيدًا.
بل إن الكفاءة اليوم أصبحت مرادفًا للشلل الاقتصادي، والتقصير في مواجهة الأزمات.
الشعب المغربي الذي كان ينتظر من حكومته الجديدة خلاصًا من جحيم الأزمات، يجد نفسه اليوم أمام “مرايا وهمية” تعكس واقعًا مُرًّا.
إن كانت “الكفاءات” هذه فعلاً “كفاءات”، فلتكن نتائجهم على الأرض ملموسة. ولعل الفلاح والمواطن البسيط هما من يحق لهما أن يتساءلا: “أي كفاءات”