الحدث بريس:يحي خرباش.
يبدو أن سور الصين العظيم لم يصمد أمام قوة فيروس كورنا الفتاك الذي ظهر بمدينة واهان في كسر الحدود الجغرافيا الكبرى والعبور عبر القارات ،فما أن بدأ هذا البلد دو المليار ونصف نسمة من التعافي من هذا الوباء ،حتى استفاقت كبريات الدول العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية الجالسة على عرش الاقتصاد العالمي وأوروبا على كارثة الاكتساح الشامل لهذا الفيروس الذي حصد أرواحا بالألاف ولا زال العالم يقف مذهولا أمام انتشار جثث متناثرة بين ممرات كبريات المستشفيات ناهيك عن الشلل الذي أصاب المنظومة الاقتصادية ،توقف شبه كلي لشركات كبرى وسط مخاوف من انهيار المنظومة الرأسمالية التي تترقب بقلق تهاوي الأسواق المالية وانهيار البورصات الدولية ، أما في النصف الاخر من الكرة الارضية فتعيش القارة الافريقية هي الأخرى تخوفا كبيرا بعد أن انتشر في العديد من الدول الافريقية التي لا زالت تعيش على أنقاض الدمار الذي خلفته الحروب الاهلية وسيطرة المليشيات المتمردة على نظام الحكم بها ،وإذ يعتبر المغرب البلد العائد مؤخرا إلى أحضان القارة السوداء من الدول التي لم تستثن من جائحة كورونا حيث سارع منذ الوهلة الاولى إلى اتخاذ التدابير الازمة لمواجهة هذا الوباء مجندة كل مواردها المالية والبشرية ،هدفها الحفاظ على سلامة المواطن قبل الاقتصاد.
ومع تسجيل أولى الحالات المصابة بهذا الفيروس بدأت المعركة تلقي بظلالها على مواجهة هذا الفيروس الفتاك ، فسارع المغرب إلى إغلاق جميع الحدود البرية والجوية والبحرية ،ومباشرة صدرت تعليمات ملكية بإنشاء صندوق خاص لدعم ومكافحة اثار هذا الوباء ،إعلانا بتوقف الحركة الاقتصادية حيث تجندت السلطات لتطبيق حالة الطوارئ الصحية ، بينما الأحزاب المغربية ظلت مكتوفة الايدي تكتفي بالفرجة ،أما رئيس الحكومة لم يجد من بد سوى اطمئنان المغاربة بأن كل شيء تحت السيطرة دون إعداد خطة استباقية لمواجهة هذا الوباء العالمي ،ودون اتخاذ التدابير الموازية للازمة ، فما نراه اليوم هو إجماع على الدولة المغربية إنما هو أمر نابغ من تخوف الناس من اثار الكوارث المحدقة بهم وبالتالي فقد استسلمت الاحزاب لإجراءات السلطة دون تقديم أي اعتراض ،فحتى الحزب الإسلامي المشاكس الذي يتقن اصطياد الفرص والمتمرس في استغلال اخطاء وهفوات خصومه من حزب الحمامة وحزب الجرار، وقف عاجزا عن تقديم أي مبادرة إسوة بخصومه السياسيين الأثرياء الذين أبانوا عن تشبتهم بقيم المواطنة وأن مصلحة البلد فوق كل اعتبار ،فهل يتربص اليوم الحزب الاسلامي بجانحة كورونا للسيطرة على انتخابات 2021 ؟
منذ البداية الأولى تعاملت حكومة السيد العثماني بالكثير من الضبابية والارتجالية بدءا من اختيار التعتيم على عدد الحالات الحقيقية في المغرب والتردد في التدابير اللازمة ،أزمة كورونا هي النقطة التي أفاضت الكأس وعرت الاحزاب المغربية وكشفت حقائق صادمة وخطيرة عن الحزب الحاكم في إدارة الشأن السياسي بالبلد وكيف وصل الامر بقطاعات وزارية إلى درجة الحضيض رغم المبالغ المالية الكبرى التي خصصت لها ،وكيف ترفع في شأنها تقارير مغلوطة إلى ملك البلاد ،اليوم نعيش مرارة التهميش وانتشار الفقر والعاطلين عن العمل الذي يسجل أرقاما مخيفة وغير مطمئنة، كما نعيش خطر وباء سيغير معالم السياسة الدولية ،بينما الأحزاب المغربية تكتفي بالفرجة وتستعد كالعادة للانتخابات المقبلة دون أية رؤية واضحة ، مشهد دفع في اتجاه تعزيز النفور السياسي وترسيخ انطباعا سيئا اتجاه النخب الحالية ، وهو ما دفع المواطن اليوم أكثر لفقدان الثقة في حكومة العثماني التي أبانت عن فشل ذريع في إدارة هذه الازمة واكتفى قياديها بالرجوع إلى الوراء ،ومنهم من جنح لكسر الصمت حال مصطفى الخلفي الذي لم تعد له أية صفة رسمية للترويج لهذه المبادرة ، وإنما يراد من ذلك الركوب على المبادرة الملكية في المساعدات التي يقدمها الصندوق للمتضررين من أزمة كورونا ،وفي عز الازمة والذي من المفروض فيه توفر الشروط الاساسية لتوحيد الجهود بين جميع مكونات المجتمع المغربي وفي هذا الوقت بالذات ، يأبى كذلك أحد أعضاء الحزب والذي يحمل صفة مستشار بالمجلس الجماعي بالرشيدية أن يغرد خارج السرب بتدوينات تعكر أجواء هذا التلاحم المغربي الذي أبان عن وعي كبير في ترسيخ قيم التضامن بين مكونات الشعب المغربي بعيدا عن أي استثمار انتخابي أو سياسي ،وإن دل على ذلك فإنما يدل على قمة الانتهازية وانعدام الضمير الذي صنف صاحب التدوينات في خانة الحاقدين على نعمة الاستقرار وتبخيس جهود الدولة المغربية في إدارة الازمة بكل احترافية ومهنية ،بل دفعته جرأته الزائدة إلى حد نعت المبادرة الملكية بأوصاف القدح والانتقاد في تدوينات متسلسلة ،ليحدو زميله في الحزب أسلوبا اخر للركوب على مطية الازمة باستغلال الوضع وتوزيع مساعدات غذائية في تحد سافر للتدابير التنظيمية المؤطرة لمثل هذه العمليات تفاديا لأي انحراف في المسار التضامني والزيغ عن سكته الحقيقية .
قياديون وجهان لعملة واحدة فمنهم من يتقن التشويش على جهود الدولة ومنهم من يتقن الرقص على الازمات لتحويل التضامن الإنساني إلى استثمار انتخابي محض يتكيفون مع كل ألوان الطيف متفوقين في ذلك على خدع الألعاب السحرية الشهيرة من أجل الحفاظ على السلطة والمال قبل الانسان .