الحدث بريس: متابعة
على الحكومة المغربية أن تتحرك بسرعة لاتخاذ قرار بإرجاع المغاربة العالقين في الخارج. بعدما أعلنت الحكومة تمديد حالة الطوارئ الصحية لمدة شهر إضافي، فآلاف المغاربة في جميع مناطق البلاد يتساءلون بتوجس وتخوف كبيرين عن مصير أكثر من 18 ألف مغربياً عالقاً في أوروبا وآسيا وأمريكا. فهل ستستمر الحكومة في تجاهل مصيرهم كما لو كانوا أجانب وليس من واجبها الانتباه لمعاناتهم النفسية والمادية وللحالة النفسية لذويهم في المغرب؟ فماذا لو أصيب عدد مهم من أولئك المغاربة بالفيروس وهم بعيدون عن بلادهم وفلذات أكبادهم أو إذا تأزمت الوضعية الصحية أو النفسية للأشخاص الذين سافروا للخارج من أجل التطبيب؟
صحيح أن الدولة أبانت عن فعالية وجدية وحنكة منقطعة النظير في تعاملها مع تداعيات جائحة كورونا ولم تتردد في اتخاذ القرارات التي تمليها الظرفية الحالية لمنع تفشي الوباء في البلاد وإنقاذ حياة الآلاف من المغاربة. كما اتخذت قرارات حميدة للتخفيف من الأثر الاقتصادي لتوقف عجلة الاقتصاد على ملايين المغاربة، بما في ذلك العاملين في القطاع غير المهيكل. كما أنه من الأمور التي أثلجت صدر كثير من المغاربة وجعلتهم يشعرون بكثير من الفخر والانتماء لهذا الوطن هو قرار وزارة الخارجية التكفل بتكاليف الإقامة لما يفوق ألفين مغربي يوجدون في هذه الوضعية في الوقت الذي طلبت دولاً عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من مواطنيها العالقين في بلدان أجنبية مثل المغرب تأدية ثمن تذاكر إرجاعهم لبلدانهم.
غير أن تجاهلها للمغاربة العالقين في الخارج والصمت الذي طبقته منذ قرابة شهر أمر يحير حقاً. فلا يعقل ألا يقدم أي مسؤول حكومي تفسيرات حول الأسباب الكامنة وراء منع المغاربة العالقين في الخارج من الرجوع لبلدهم ولا إعطاء أي إشارة بأنها تدرس وضعهم لاتخاذ القرار اللازم.
فإذا كانت الدولة قد استطاعت في وقت وجيز اتخاذ قرارات صفق لها الجميع ولاقت صداً إيجابياً في العديد من وسائل الإعلام الدولية، فلماذا لم تحرك ساكناً من أجل النظر في وضعية المغاربة العالقين في الخارج واتخاذ التدابير اللازمة لإرجاعهم لبلادهم ولذويهم؟ ألم يقم المغرب منذ الأسابيع الأولى من ظهور الوباء في الصين بإرسال طائرة لمدينة يوهان لإرجاع الطلبة المغاربة الذين استنجدوا بالملك محمد السادس لإرجاعهم للبلاد؟
كما قامت الحكومة المغربية بإرجاع أولئك الطلبة، فمن واجبها أن تقوم بكل ما يلزم لإرجاع ما يفوق 18 ألف مغربي لا يعرفون مصيرهم ويوجدون عرضة للتشرد والهلاك. على عكس الطلبة المغاربة في يوهان، فهؤلاء المغاربة ليسوا مقيمون في البلدان التي علقوا فيها، بل ذهبوا إليها من أجل السياحة أو العمل أو التطبيب والعديد منهم لم يعد يتوفر على المال الكافي لسد حاجياتهم أو لا يتكلم لغة البلدان التي يوجدون فيها أو انتهت صلاحية تأشيرة دخولهم تلك البلدان. كما أن بعضهم يوجد في وضعية صحية هشة، ناهيك عن الآباء والأمهات الذين لقوا نفسهم بين عشية وضحاها بعيدون عن أبناءهم في المغرب.
إذا وضعنا في الميزان من له الأسبقية من الاستفادة من مساعدة الدولة للرجوع للوطن، فإن الكفة ستؤول لمن سافروا للخارج من أجل قضاء عطلة أو من أجل العمل أو التطبيب. أما الطلبة المغاربة في الصين، فيمكن اعتبارهم مقيمين في الصين، ولم يكن بالضرورة على الدولة إرجاعهم للبلاد. ومع ذلك اتخذت الحكومة، بناءً على أمر من الملك، قرار إرجاعهم للمغرب ووضعتهم في الحجر الصحي لمدة 14 يوماً حتى خرجوا سالمين متعافين.
فلماذا كل هذا التردد في اتخاذ القرار الصائب وإرجاع إخواننا المغاربة لبلدهم؟ هل يستعذر على الدولة إرجاعهم ووضعهم في الحجر لمدة 14 يوماً؟ هناك العديد من الفنادق الفارغة في مختلف مناطق البلاد التي يمكن للدولة استعمالها من أجل وضع أولئك المغاربة في الحجر الصحي والتأكد من عدم حملهم للفيروس. وحتى لو تعذر على الدولة إرجاع المغاربة دفعةً واحدة، فينبغي لها أن تبدأ بشكل تدريجي وأن تعطي الأولوية للمسنين وللأشخاص الذين يوجدون في وضعية صحية هشة وللحوامل. كما يمكنها توزيعهم في جميع أنحاء البلاد كل حسب انتمائه الجغرافي، مما سيساعد على تفادي الاكتظاظ في منطقة واحدة.
الدولة هنا لا توجد فقط أمام مسؤولية دستورية قانونية بموجب الدستور والاتفاقات الدولية التي وقع عليها المغرب، بل كذلك أمام مسؤولية إنسانية وأخلاقية، إذ لا يعقل أن تستمر في التغاضي عن وضعية هؤلاء المغاربة، ونحن على بعد أقل من عشرة أيام على شهر رمضان المبارك. كما على الصحافة المغربية أن تهتم كذلك بهذه الشريحة من المغاربة الذين يعانون في صمت ويعيشون في ظروف قاهرة قد تعصف بحياتهم أو صحتهم النفسية أو الجسدية.
هناك دول عربية أخرى مثل تونس ومصر وموريتانيا قامت بإرجاع مواطنيها العالقين في الخارج وعلى المغرب أن يحذو حذوها. على الحكومة المغربية أن تأخذ بعين الاعتبار بأن الوضعية النفسية للمغاربة العالقين في الخارج وذويهم ستزداد تأزماً كلما مر الوقت. وبالتالي، فعليها التحرك بسرعة لتدارك الموقف وإلا سيصبح عدم إدارة وضعية المغاربة العالقين في الخارج على النحو المطلوب نقطة سوداء في طريقة تعاطيها مع تداعيات جائحة كورونا.
* د. سمير بنيس مستشار سياسي مقيم في الولايات المتحدة، وخبير في السياسة الخارجية المغربية
يحز في نفسي أن أرى كل بلدان العالم تعيد أبنائها العالقين بإستثناء المغرب.لدي ابن قاصر عالق بإسطنبول وحالته الصحية والنفسية متدهورة بشكل خطير.اخشى ان لا اراه مرة أخرى.اردت إدخاله لمستشفى هناك ولكن حكومة بلادي لا تسمح بتجاوز سقف معين من التحويلات المالية للخارج. لا أملك الى دموعي والتضرع لله ان يستفيق المسؤولين المغاربة ويتخدون القرار الصحيح