كان الأطفال المغاربة يستقبلون رمضان أيام زمان، بالأغاني والأهازيج الشعبية، ويرددون بأصوات طفولية مرحة “تيريرا تيريا هذا شهر الحريرة” و”رمضان بوشاشية شبعنا شباكية.. رمضان بوطربوش.. شبعنا الكرموس.. رمضان بوكريرة.. شبعنا الحريرة”، و”رمضان يا الحبيب.. شبعنا قهوة وحليب”.
يقفزون ويطوفون الأزقة والشوارع معبرين عن فرحهم وابتهاجهم بدخول هذا الشهر الكريم. ويعددون أنواع الأكلات الشهيرة التي لا تخلو منها الموائد الرمضانية.
ورغم تراجع هذه الممارسة الطفولية فإن الذاكرة الجماعية ما زالت تحتفظ بها. وتسترجعها خلال الجلسات العائلية، وينقلها الكبار شفاهة للجيل الجديد، في حنينٍ لأيام رمضان الماضية.
ويبلغ أوج الاحتفالات برمضان في ليلة 27 وهي ليلة القدر في عرف المغاربة. وفيها تظهر تقاليد أخرى، ويحث معظم الآباء أبناءهم الصغار على الصيام. فهي ليلة مباركة ومقدسة، يتم فيها تعطير البيوت بالبخور، وإخراج الصدقات ونشر الفرح.
الصائم الصغير
يرتبط رمضان في الذاكرة الشعبية المغربية بتقاليد وعادات متنوعة تلتقي كلها في الاحتفاء بهذا الضيف العزيز. وتسعى الأسر بشتى الوسائل لتحبيب الأطفال في الصيام وربطهم بهذا الركن الديني. لذلك يكون أول يوم صيام للطفل يوما مميزا وحدثا عائليا مهما.
واحتفت سارة الطالبي -أم لطفلين- بأول صيام لابنها أحمد (7 سنوات) في نهاية الأسبوع. وتقول للجزيرة نت إنها رافقته طوال اليوم كي لا يجهد نفسه. وشغلته بأنشطة متنوعة لتبعد عنه الملل والتفكير في الأكل.
وحاولت سارة القيام بالحد الأدنى من الطقوس المرتبطة بهذه المناسبة المهمة في حياة الطفل. وقبل يوم الصيام الموعود، اشترت لابنها لباسا تقليديا ليرتديه عند الجلوس حول مائدة الإفطار. وتضمنت هذه المائدة كل ما اشتهاه الصائم الصغير.
وبحسب سارة، فإن الاحتفال مَر في أجواء أسرية محدودة. فبسبب ظروف الجائحة تعذر اجتماع العائلة معا لحضور هذا الحدث المميز بالنسبة لأحمد. لكنها عوّضت ذلك بتقاسم لحظة الإفطار مع العائلة عبر الاتصال بالفيديو.
ولم يقتصر تخليد هذه المناسبة على الطقوس الاحتفالية. بل سعت سارة لإيصال رسائل طيلة اليوم لابنها تعبر فيها عن فخرها بصيامه الأول. وحرصت على تأكيد أهمية هذا الحدث له وللأسرة كلها، وشرحت له بأسلوب مبسط العبرة من الصيام.
عادات رمضانية تراثية
وإذا كان احتفال سارة التي تنحدر من مدينة مكناس العريقة بصيام ابنها الأول بسيطا. فإن الأسر في مدينتها -كما تحكي- تحتفل بالصائمين الصغار في احتفالات كبيرة ووفق طقوس متنوعة يحضرها كل أفراد العائلة.
وتزين الطفلة الصائمة بزينة العروس وتلبس قفطانا وتاجا على الرأس، وتنقش يداها بالحناء، أما الطفل فيلبس جلبابا أو “جبادورا” وطربوشا، وتخضب يده بالحناء على شكل دائرة صغيرة.
وتملأ ربة البيت المائدة الرمضانية بما لذ وطاب مما يشتهيه الصائمون الصغار، وعلى رأسها صينية تمر وكؤوس الحليب التي يفتتح بها الطفل إفطاره وسط حضور عائلي كبير.
وفي شمال المغرب، تضع الأم قطعة نقود وسط الأكل أو كأس حليب، أو يحاط الكأس بدملج من فضة وأوراق نقدية قبل أن يبدأ به الطفل الصائم فطوره.
وبعض الأسر تجعل الطفل يتسلق سلما خشبيا قبل الإفطار دلالة على تقربه من الله وصعوده الروحي بالصيام. ومن بين التقاليد الأصيلة التي بدأت تتراجع، ما يسمى بسبع حراير، إذ تقوم أُم الطفل قبل أذان المغرب بجلب زبدية حساء “الحريرة” -وهو أهم طبق في رمضان- من عند 7 جيران وتمزجها لتقديمها في مائدة أول صيام للطفل.
ليلة القدر أوج الاحتفال
ويبلغ أوج الاحتفالات برمضان في ليلة 27 وهي ليلة القدر في عرف المغاربة، وفيها تظهر تقاليد أخرى، ويحث معظم الآباء أبناءهم الصغار على الصيام، فهي ليلة مباركة ومقدسة، يتم فيها تعطير البيوت بالبخور، وإخراج الصدقات ونشر الفرح.
وتقول السيدة عائشة الزليكي، إن من طقوس هذا اليوم المبارك إعداد وجبة الكسكس، وأخذها إلى المسجد ليتناولها المصلون في فترة الاستراحة، وتتنافس النساء في إرسال “قصريات” الكسكس (آنية طينية يوضع في الكسكس) لبيوت الله طيلة الليلة طلبا لأجر إطعام المصلين المتهجدين.
كحل ليلة 27 من رمضان
تقول عائشة التي تنحدر من الجنوب الشرقي، إن الرجال والنساء والأطفال في منطقتها يتزينون بالكحل في هذه الليلة، إذ يتداولون بينهم أن كحل ليلة 27 من رمضان يحيي سبعة عروق في العين.
أما الأطفال الذين يصومون هذا اليوم فيرتدون اللباس التقليدي وتضع الفتيات “الخلالات والسفيفة” على الرأس وهي مجوهرات أمازيغية، ويبدؤون إفطارهم بالتمر والعسل الحر واللوز والبيض المسلوق.
ورغم انتقال عائشة من مسقط رأسها في الجنوب الشرقي منذ 3 عقود نحو الرباط، فإنها ما زالت متمسكة بهذه التقاليد، وتحاول نقلها لأبنائها وأحفادها، ورغم رفض أبنائها عادة تزيين العيون بالكحل، فإنها لا تنفك تحاول في كل مرة إقناعهم أو تذكيرهم بالعادة.
بين رمضان زمان ورمضان اليوم، عادات وطقوس تتراجع عاما بعد آخر، تحاول الأمهات والجدات بوصفهن حارسات التقاليد تشجيع بناتهن على القيام بها وإحياء ما استطعن منها، وينقلنها شفاهة للأبناء والأحفاد علها تظل حية في الذاكرة.