في زمن وباء كورونا تغيرت كل قوانين الطبيعة وأبجديات الحياة. ولم تعد نظرية للفعل رد فعل تعاكسه في الإتجاه قائمة أو فاعلة. فقد أصبح للفعل اتجاه واحد.
استطاع هذا الفايروس تحقيق انتصارات عجزت عن تحقيقها أعتى نظم الطغاة والديكتاتورية. من تكميم أفواه الناس بأنفسهم وإلزامهم بالبقاء في منازلهم وإخلائهم ساحات التظاهر عنوةً وبرغباتهم وقناعاتهم المحفوفة من مخاطر هذا الوباء. واستطاع هذا الكورونا إقناع النخبة بضرورة الانعزال فُرادى. لتصبح فيما بعد نظرية التظاهر والعمل عن بُعد أمراً واقعاً. وتكون شعاراتهم وعناوينهم أصداء تذوب تدريجياً. إلى أن تختفي بين ذرات الكون. وبهذا أصبح المواطن كما خُطط له أن يكون سلعة قليلة العلف وسريعة التلف وقابلة للاستبدال. وذات صلاحية محدودة جعلت الشعب ينقاد بصورة غير إرادية ومُسلّم بها لسلطة الحاكم الذي انتصر بفعل كورونا. وغواية التسلط التي نشطت في زمن هذا البلاء.
ولاننسى ذلك الإعلام المتلون الذي أيقظ في النفس البشرية ذلك الإحساس المتناقض. والشعور المضاد بين أخذ اللقاح ضد الفايروس وبين الرفض. حقاً لقد استطاع هذا الإعلام أن يمازج بين (نعم-لا). وشكراً للحكومات التي رفعت شعار لا تتظاهر بالشارع. (وخليك في البيت). فأصبحت لافتات المتظاهرين هي شاشات الكمبيوتر والكيبورد. وأصبحت الكمامة هي التي تكمم الأفواه بعد أن كان القمع والاستبداد هما من يغلقان أفواه المتظاهرين.
كورونا تحول الوطن إلى منفى
لاننسى في زمن كورونا محاولات الدجل وألاعيب السحرة وقصص الشعوذة التي عادت بنا قروناً إلى الوراء. متخلفين جهلة بالنتيجة. استطاعت كورونا أن تحول الوطن إلى منفى. وجعلت البيت ذلك الملاذ الآمن الذي نلوذ به من هذا الوباء. والجميع أصبح ينادي بالتباعد الإجتماعي. والمفارقة أن كورونا أسقط ورقة التوت الأخيرة التي كانت تحمي المنظومة السياسية وعوقها. ورفعت عنها كل عيون الاحتقار والاستهزاء من المواطنين. بعد أن امتصت تلك الحكومات أو المنظومات الصدمة من الشعب. وبدأت تستعيد نشاطها وتسلطها على رقاب البؤساء إلى جعلهم يرضخون للأمر الواقع. لتتكون في المستقبل نظرية الاعتراف بالأمر الواقع أو إنك أيُها المواطن حتى إن طالبت بالغزال فبالنهاية ستحصل على الأرنب.
لقد اختلف الفعل عن رد الفعل، فلم يعدّ هناك رد فعل. الأمر الذي يتطلب من السُراق واللصوص والعاهرين أن ينحنوا خشوعاً أمام إغراءات الفايروس وسلطته. وأن يقدموا له الشكر والامتنان وليرفعوا له قبعاتهم تبجيلاً لذلك الكورونا الذي أنقذ كراسيهم.