بقلم إليزابيث دوسكين وكريغ تيمبير.
وفقا لما ورد في رسائل البريد الإلكتروني الداخلية التي تم الاستشهاد بها في ملفات المحكمة التي لم يقع حجبها مؤخرا، بدأ المديرون التنفيذيون في شركة فيسبوك خلال السنوات الأخيرة مناقشة منح بعض الشركات الراغبة في شراء خدمات الإعلانات إمكانية النفاذ إلى البيانات الهامة الخاصة بالمستخدمين، وذلك عندما كانت الشركة تكافح من أجل إطلاق هذه الخدمة على الهواتف الجوالة.
في دعوى قضائية فيدرالية لا تزال قائمة ضد “فيسبوك”، يزعم المدعون أن عملاق التواصل الاجتماعي قام بتوزيع بيانات المستخدمين بشكل سري وانتقائي للشركات مقابل شراء الإعلانات أو تقديم تنازلات أخرى، على حساب عزل الشركات الأخرى وتدمير أعمالها. وقد رُفعت هذه القضية من قبل شركة “سيكس 4 ثري” التي تدعي أن أعمالها قد دمرت سنة 2015 من خلال الإجراءات التي كانت شركة فيسبوك تتوخاها.
في الواقع، يبدو أن استخدام البيانات الشخصية للمستخدمين كورقة مساومة وإعطاء امتيازات خاصة لبعض الشركات، والتسبب في إغلاق العديد من الشركات الأخرى، أفعال تتعارض مع وعود فيسبوك المتكررة حول حماية خصوصية المستخدمين وعدم بيع بياناتهم، ومنح شركائها المختصين في البيانات فرصا متكافئة. كما تثير هذه القضية بعض التساؤلات حول امتثال فيسبوك للتسوية مع لجنة التجارة الفيدرالية، التي نصت سنة 2011 على أن الشبكة الاجتماعية لا يمكنها منح مطوري الطرف الثالث حق الوصول إلى بيانات المستخدمين التي يعتقد أنه يتم الاحتفاظ بها بشكل سري.
خلال إحدى المحادثات التي تضمنتها الملفات، ناقش موظفو فيسبوك عملية وقف النفاذ بالنسبة “للتطبيقات التي لا تنفق 250 ألف دولار سنويا على الأقل لمواصلة النفاذ إلى البيانات”. وتكشف المحادثات عبر البريد الإلكتروني العلاقات التي تربط شركة فيسبوك بالعديد من الشركاء التجاريين الكبار بما في ذلك شركة “ليفت” “وتيندر” “وأمازون” “وإير بي إن بي” “ورويال بنك أوف كندا”. ومع ذلك، تنفي شركة فيسبوك مشاركة سبل النفاذ لبيانات المستخدمين بهدف تحقيق فائدة تجارية.
إلى جانب ذلك، توضح آلاف الصفحات من الملفات القضائية، التي يكافح فيسبوك من أجل الحفاظ على سريتها، بما في ذلك جلسة استماع طارئة مقررة بعد ظهر يوم الجمعة، الاستراتيجيات الذكية التي استخدمتها شبكة التواصل الاجتماعي في بناء إمبراطوريتها الإعلانية. ويسلط هذا المعطى الضوء على احتمال انتهاج هذه الشركة لسلوك مناهض للمنافسة الشريفة يمكن أن يدفع المشرعين الأمريكيين والأوروبيين للحد من نفوذ عمالقة التكنولوجيا.
منذ أن كشفت فضيحة “كامبريدج أناليتيكا” عن السياسات المتعلقة بالبيانات التي يتبعها فيسبوك والتي سمحت لمطور بالنفاذ بطريقة غير شرعية إلى الملفات الشخصية لحوالي 87 مليون مستخدم، طالب المشرّعون مرارا وتكرارا فيسبوك بتوضيح علاقاتها مع شركات البيانات. وخلال شهر نيسان/ أبريل الماضي، أبلغ الرئيس التنفيذي لفيسبوك، مارك زوكربيرغ، الكونغرس بأن الشركة قد أوقفت عمليات نفاذ الغرباء إلى “بيانات الأصدقاء” منذ عدة سنوات، لكن التقارير اللاحقة كشفت عن وجود علاقات مميزة أنشئت بواسطة الشركة.
أصبحت رسائل البريد الإلكتروني التي وقع تنقيحها سابقا من قبل مسؤولي فيسبوك، الذين هم جزء من القضية، معروضة للعلن في وقت متأخر من يوم الأربعاء عندما استخدم موقع “آرس تكنيكا” المتخصص في الأخبار التقنية برنامج محرر للنص لإزالة التغييرات التي طرأت على وثيقة رئيسية ونشرها على موقع تويتر. وقد كانت صحيفة “وول ستريت جورنال” أول من تطرق إلى هذه الحادثة. (كما كانت واشنطن بوست واحدة من العديد من المؤسسات الإخبارية التي تقدمت بطلبات للكشف عن سجلات مختلفة في هذه القضية).
في المقابل، لم يفند فيسبوك صحة الوثائق غير المنقحة ولكنه أفاد بأن الأدلة في هذه القضية استخدمت بشكل انتقائي لإعطاء صورة مضللة عن عملية اتخاذ القرار في الشركة، في وقت كان فيه فيسبوك يعمل على الحد بشكل كبير من المعلومات التي يمكن لمطوري التطبيقات جمعها من المنصة.
في بيان له، قال كونستانتينوس بابميلتياديس، مدير مطوري المنصات والبرامج في شركة فيسبوك، إن “الوثائق التي جمعتها شركة “سيكس 4 ثري” من أجل هذه القضية التي لا أساس لها من الصحة هي جزء من القصة فقط، وهي مقدمة بطريقة مضللة للغاية دون سياق إضافي”. وأضاف كونستانتينوس بابميلتياديس “نحن نحافظ على التغييرات التي أجريناها على المنصة سنة 2015 لمنع أي شخص من مشاركة بيانات أصدقائه مع المطورين، وأي ملحقات قصيرة الأجل تم منحها خلال عملية تغيير المنصة كانت بهدف منع هذه التغييرات من إفساد تجربة المستخدم”.
والجدير بالذكر أن هذه القضية، التي كانت تتحرك ببطء في المحكمة العليا في مقاطعة سان ماتيو في وادي السليكون، تعود إلى عدة سنوات عندما كان فيسبوك يمنع تدريجيا النفاذ المجاني لمطوري التطبيقات الذين اعتادوا في السابق الحصول على عدد كبير من البيانات الشخصية لمستخدمي فيسبوك وأصدقائهم.
في ذلك الوقت، أفاد القائمون على موقع فيسبوك أنهم يعزلون هذه البيانات لحماية المستخدم. وأثارت مثل هذه الممارسات جدلا كبيرا خلال العام الحالي عندما اندلعت فضيحة كامبريدج أناليتيكا. وأُثيرت هذه القضية مجددا خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي عندما استولى عملاء بريطانيون على نسخ رقمية لآلاف الوثائق من مطور خدمة سيكس4ثري، تيد كرامر، عندما كان مسافرا إلى لندن الأسبوع الماضي. ومن جهته، يحقق البرلمان البريطاني في نشاطات موقع فيسبوك في أعقاب الكشف عن كارثة كامبريدج أناليتيكا.
عملت شركة كرامر على تطوير تطبيق بيكينيس، الذي يمكن الأشخاص من العثور على صور لمستخدمي فيسبوك الذين يرتدون ملابس السباحة. والجدير بالذكر أن هذا التطبيق نشأ بناء على البيانات التي كان موقع فيسبوك يوفرها، والتي تمكنت شركة سيكس4ثري وآلاف المطورين الآخرين من الوصول إليها من خلال واجهة برمجة التطبيقات، أو التي تعرف باسم “آ بي إي”. وأتاحت هذه الواجهة قيام خدمة سيكس 4ثري من البحث عن صور ملابس السباحة من حسابات الأشخاص الذين كانوا يحظون بأصدقاء مع مستخدمي تطبيق بيكينيس.
قدم موقع فيسبوك واجهة برمجة التطبيقات للمطورين منذ سنة 2007، وهو ما مكن سبوتيفاي وتيندر وعشرات تطبيقات المواعدة والألعاب، فضلا عن حملة أوباما الانتخابية وشركة كامبريدج أناليتيكا، من النفاذ إلى البيانات التي تشتمل عليها أو الحصول عليها. ومنحت هذه الواجهة المطورين إمكانية الوصول إلى لائحة أصدقاء المستخدمين ومنشوراتهم على موقع فيسبوك، التي اعتادت هذه الشركات العثور عليها واستغلالها في استقطاب عملاء جدد.
على امتداد سنوات عديدة، عمل موقع فيسبوك على تشجيع المطورين على إنشاء تطبيقات تدفع الناس لقضاء المزيد من الوقت على هذه المنصة التي يمكن تصفحها بواسطة الحاسوب. وفور ظهور الهواتف الذكية، أصبح فيسبوك رائجا بشكل كاف لدرجة أنه لم يعد في حاجة إلى هؤلاء المطورين من أجل مساعدته على حث المستخدمين على التفاعل أو حتى على مستوى إيجاد الأفكار الجديدة.
في سنة 2014، أعلن موقع فيسبوك أنه سيفرض بعض القيود على وصول المستخدمين إلى واجهة برمجة التطبيقات، مشيرا إلى بعض المخاوف التي تتعلق بالخصوصية، لاسيما بعد أن اشتكى العديد من المستخدمين من عمليات مشاركة بياناتهم مع الغرباء دون علمهم. وبناء على ذلك، منح فيسبوك المطورين مهلة سنة واحدة لإعادة هيكلة أعمالهم، وهو ما أدى إلى إفلاس العديد من شركاتهم.
من جهتها، تدعي شركة سيكس4ثري أن الخصوصية لم تكن السبب الحقيقي الذي دفع فيسبوك لإلغاء برمجة التطبيقات. ويدعي مطور هذه الخدمة أن فيسبوك أدرك أن بإمكانه اعتماد مجمع البيانات الخاصة به كبطاقة مساومة للضغط على الشركات والأعمال التجارية ودفعها لشراء المساحات الإعلانية التي من شأنها تمويل صناعة الدعاية، الناشئة حديثا آنذاك، عن طريق الهاتف الذكي.
حيال هذا الشأن، أفاد مسؤولون تابعون لفيسبوك أن جميع الشركات المذكورة في الوثائق، إلى جانب أمازون، فقدت إمكانية الوصول إلى البيانات منذ سنة 2015. ويدعي مطور خدمة سيكس4ثري أن المطورين كان بإمكانهم النفاذ إلى بيانات بشكل يتجاوز إعدادات الخصوصية الخاصة بالمستخدمين، وهو ما يعد انتهاكا صارخا لمرسوم الموافقة الصادر سنة 2011. ويصر فيسبوك على رفض المزاعم التي تفيد بأنه انتهك هذا المرسوم، كما أن المسؤولين التابعين لموقع التواصل الاجتماعي ناقشوا هذه الصلاحيات للاطلاع على البيانات سنة 2012، وذلك وفقا لما ورد في رسائل البريد الإلكتروني غير المعدلة.
في إحدى المحادثات التي جدت تلك السنة، أفاد أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في فيسبوك أن سائر المسؤولين الآخرين قرروا الحد من الوصول إلى واجهة برمجة التطبيقات بالنسبة للشركات القادرة على منافستهم بشكل فعلي، وذلك بعد اجتماع مع مارك زوكربيرغ. علاوة على ذلك، تطلب شركة فيسبوك من جميع شركاء موقعها الموافقة على المعاملة بالمثل، وهو مصطلح يفيد المدّعون أنه يقوم على عدم منح فيسبوك للبيانات دون تلقي تعويضات على إعلاناته.
في رسالة بريد إلكتروني أخرى تتعلق بصلاحيات أمازون سنة 2013، توجه أحد الموظفين بالسؤال حول ما إذا كانت فيسبوك ستسمح لشركة أمازون بالولوج إلى واجهة برمجة التطبيقات في حال “أذعنوا لطلبهم”. ونتيجة لذلك، أجابه موظف آخر أنه نظرا لكون فيسبوك تعمل على تقييد صلاحيات الوصول إلى واجهة برمجة التطبيقات، ستعمل على “خوض محادثات قد تكون مخيبة للآمال مع أمازون” أو أنها ستعمل على “إبرام صفقة معها والتوصل إلى اتفاق”. وفي حين أن البنود المتعلقة بالتنازلات التي سيقدمها فيسبوك لم تكن واضحة من خلال محادثات الموظفين، كانت واجهة برمجة التطبيقات تعتبر مجانية وغير مقيدة في ذلك الوقت.
في واقع الأمر، أخبر ممثلون عن فيسبوك صحيفة واشنطن بوست أن شركة أمازون احتفظت بإمكانية الوصول إلى بيانات مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي نظرا لكونها تعتبر “شريك تكامل” سبق له السماح بتثبيت تطبيقات فيسبوك على الأجهزة التي ينتجها، ولا يعتبر مطور تطبيقات فقط. وتجدر الإشارة إلى أن المدير التنفيذي لشركة أمازون، جيفري بيزوس، يمتلك صحيفة واشنطن بوست.
في شأن ذي صلة، صرح المتحدث الرسمي باسم شركة أمازون، بين هولزر، قائلا: “تستخدم شركة أمازون واجهة برمجة التطبيقات التي يوفرها فيسبوك لتمكين فيسبوك من إجراء تجاربها المتعلقة بتطبيقنا. فعلى سبيل المثال، يُمنح العملاء خيار مزامنة جهات اتصال حسابهم على فيسبوك على جهاز أمازون اللوحي. نحن نستخدم المعلومات وفق سياسة الخصوصية الخاصة بنا فقط”. وفي محادثة أخرى عبر البريد الإلكتروني، أفاد أحد موظفي فيسبوك خلال حديثه مع أحد زملاؤه بأن حذف واجهة برمجة التطبيقات قد تبدو “وسيلة غير مباشرة” لتعزيز الإعلانات التي تدفع المستخدمين لتنزيل تطبيقات الهاتف الذكي.
المصدر: واشنطن بوست