حصد “التجمع الوطني” اليميني المتطرف الأحد 89 مقعدا في الجمعية الوطنية الفرنسية، الغرفة الثانية من البرلمان، وهو رقم قياسي لهذا الحزب الذي تقوده مارين لوبان. وهذا، كان جراء موت أفكار “الجبهة الجمهورية” لدى ناخبي اليمين واليسار على حد سواء.
لكن بعد الدورة الأولى من الانتخابات، كان حزب “التجمع الوطني” هو الحزب الوحيد الذي حق له التباهي بحصوله على أصوات 1,2 مليون ناخب إضافي مقارنة بانتخابات عام 2017. وأكدت نتائج الدورة الثانية هذه الانفراجة المدوية التي سمحت له بزيادة عدد نوابه من 8 في البرلمان الأخير إلى 89 نائبا.
ووعدت زعيمة الحزب مارين لوبان، التي أعيد انتخابها بسهولة في با دو كاليه شمال فرنسا بنسبة 61.03 بالمئة، بأداء دور “المعارضة الحازمة” لكن “المسؤولة” في الآن ذاته، “أي معارضة تحترم المؤسسات الجمهورية”. كما وعدت ناخبيها بأن يقوم نوابها بالدفاع عن أفكار حزبها بشأن “الهجرة والأمن والبطالة والضرائب والعدالة الاجتماعية والأقاليم المنسية والمواطنين الذين أسيئت معاملتهم وبشأن الديمقراطية المستهزئ بها”.
وفي إشارة منها إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي “من المتوقع” ألا ترشح نفسها فيها، شددت الزعيمة اليمينية المتطرفة على أن نواب حزب “التجمع الوطني” سيمثلون أيضا “طليعة هذه النخبة السياسية الجديدة التي ستتحمل المسؤولية في البلاد عندما تنتهي مغامرة إيمانويل ماكرون”.
التزام قوي على نحو متزايد من “التجمع الوطني”
وكدليل على التزامه القوي والمستدام، فاز حزب “التجمع الوطني” فوزا كاملا أو شبه كامل في معاقله الشمالية والجنوبية، مع أربعة نواب من أصل أربعة في جبال البرانس الشرقية، وثلاثة نواب من أصل ثلاثة في منطقة أود وسبعة نواب من أصل ثمانية في منطقة فار.
ولا سيما بعدما رسخ وجوده في مساحة تمتد من بيكاردي القديمة إلى أوب المنطقة، وفاز في ثلاث دوائر انتخابية على وجه الخصوص في لاواز، واثنتين في هوت مارن وثلاث في موزيل، وفتح آفاقا جديدة مع المسؤولين المنتخبين في جيروند، ولو-غارون وتارن-غارون.
وهذا التقدم الذي أحرزه على جبهات عدة بات ممكنا بسقوط “الجبهة الجمهورية”، وبخاصة فيما بين الجولتين الانتخابيتين عندما أدت الدعوة إلى قطع الطريق على اليمين المتطرف إلى ظهور رسائل متناقضة في أوساط الأغلبية.
وكما يقول مارسيال فوكو، مدير مركر البحوث السياسية بمعهد العلوم السياسية في باريس (Cevipof)، “من المؤكد حتى الآن أنه في هذه الطريقة الخاصة جدا للتصويت والتي أعاقت حزب “التجمع الوطني” من التقدم، فإن الجبهة الجمهورية قد انفصلت تماما عن الواقع، أو حتى سقطت في غياهب النسيان”.
استراتيجية إيمانويل ماكرون “المدمرة” للجبهة الجمهورية
كذلك كان الحال في مراكز الاقتراع المئة وثمانية التي شهدت مواجهة مباشرة بين مرشحي الائتلاف الرئاسي ومرشحي “التجمع الوطني”! فقد فاز الأخير باثنين وستين منها. ودعت غالبية كبيرة من مرشحي “تحالف اليسار”، الذين خرجوا من السباق، إما إلى التصويت “للائتلاف الرئاسي” (14 منهم)! وإما للتصويت ضد اليمين المتطرف (72 منهم)، وذلك حسب إحصاء قدمته صحيفة “لوموند”، لكن الناخبين قرروا خلاف ذلك.
يقول ماتيو جيارد، مدير الدراسات في مركز الإحصاء واستطلاع الرأي إبسوس: “بالأمس ماتت الجبهة الجمهورية على المستوى المحلي: فقد أدى مكسبها الضعيف (نائب واحد تم انتخابه من أصل 577) إلى قيام الناخبين اليساريين واليمينيين المتطرفين بعدم التصدي لبعضهم البعض في الدورة الثانية، لأن كراهيتهم للماكرونية فاقت الحدود”.
من ناحية أخرى، لم تكن التعليمات الصادرة عن الائتلاف الرئاسي واضحة بالنسبة للمواجهات التي جمعت 61 مرشحا من تحالف اليسار و”التجمع الوطني”، فقد دعا 16 مرشحا فقط من “الائتلاف الرئاسي” إلى التصويت لتحالف اليسار، و16 آخرين للتصويت ضد اليمين المتطرف، و12 اتبعوا سياسة “لا للاثنين” و17 لم يعطوا أية توجيهات بالتصويت حسب إحصاء صحيفة “لوموند”. ونتيجة لذلك، خرج “التجمع الوطني” منتصرا في 33 دائرة انتخابية بدعم من ناخبي “الائتلاف الرئاسي”، وناخبي حزب “الجمهوريون” كما وضح المدير العام لإبسوس على القناة الفرنسية الثانية.
مدير الدراسات السياسية في معهد كانتار يقول…
فيما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن إيمانويل ريفيير، مدير الدراسات السياسية في معهد كانتار، قوله: “إن هذه إحدى النقاط التي كان لاستراتيجية إيمانويل ماكرون عواقب وخيمة عليها: فخطابه القائل ’لا يوجد بديل لي سوى التطرف‘ كان مدمرا”.
وهذا، على الرغم من وعد رئيس الجمهورية، في عام 2017 ببذل قصارى جهده لضمان ألا يكون لدى ناخبي مارين لوبان “أي سبب للتصويت لصالح المتطرفين”. وما نراه الآن بعد مرور خمس سنوات ومع فوز اليمين المتطرف بنحو 89 مقعدا في الجمعية الوطنية، أن وعده ذهب أدراج الرياح.
النص الفرنسي: رومان بروني | النص العربي: حسين عمارة
عن france24.