يشهد العالم العربي بين الحين والآخر جرائم قتل مروعة للنساء. وآخرها ذبح الطالبة المصرية نيرة أشرف أمام جامعتها وقتل الطالبة الأردنية إيمان أرشيد بالرصاص. فما سبب هذا العنف ضد المرأة وكيف يمكن التصدي له؟
مع مرور أكثر من تسعة أيام على ذبح الطالبة المصرية نيرة أشرف أمام جامعة المنصورة شمالي القاهرة على يد شاب رفضت الارتباط به. لا تزال الطالبة بسمة التي تدرس في الجامعة ذاتها حبيسة هذه الواقعة بكافة تفاصليها.
وقالت بسمة، التي فضلت الاكتفاء بذكر اسمها فقط دون اللقب، “ارتعبت من المنظر. أصبحت غير قادرة على مغادرة البيت كما كنت أفعل في السابق، بل أصبت بالاكتئاب”. وأضافت بسمة (27 عاما) وتدرس في كلية الزراعة “أصبحت أهرب من أي خروج من المنزل بسبب الخوف وأتذرع بأي حجة. فهي (نيرة) قُتلت في عز النهار وفي الشارع”.
وتسببت واقعة ذبح نيرة أشرف في حالة صدمة وذهول بين المصريين خاصة مع انتشار مقاطع مصورة على منصات التواصل الاجتماعي تُظهر الجاني يلاحق نيرة. ثم ينحرها بسكين خارج الجامعة قبل أن يتمكن الأهالي من الإمساك به وينهالوا عليه ضربا حتى ألقت الشرطة القبض عليه.
وقررت محكمة جنايات المنصورة إحالة أوراق المتهم بقتل الطالبة نيرة إلى مفتي الديار المصرية لإبداء الرأي الشرعي في إعدامه. وأثارت الجريمة البشعة موجة غضب وإدانة في مصر والعالم العربي، لاستمرار جرائم العنف ضد المرأة. فنيرة لم تكن الضحية الوحيدة في مسلسل جرائم قتل النساء في المنطقة العربية.
تزايد جرائم قتل النساء
فبعد أيام قليلة من مقتل نيرة أشرف، لقيت الطالبة الأردنية إيمان أرشيد مصرعها بعد تعرضها لإطلاق نار على يد شاب رفضت الارتباط به. فيما كان مسرح الجريمة جامعة العلوم التطبيقية الخاصة شمال العاصمة عمان.
وتشابهت وقائع الجريمتين، حيث أن نيرة وإيمان طالبتان وقتلتا في حدود جامعتيهما، وكان سبب القتل رفض الارتباط بالجاني. فيما ترددت الأنباء بأن قاتل إيمان أرسل لها رسالة تهديد بقتلها بنفس الطريقة التي قُتلت بها الطالبة المصرية.
وبعد أيام، أعلن الأمن الأردني الأحد الماضي (26 يونيو) أنه تمكن من تحديد مكان الجاني الذي أقدم على إطلاق النار على نفسه خلال محاصرته من قبل رجال الأمن العام.
وللأسف لم تكن إيمان أرشيد أيضا الضحية الأخيرة في سلسلة العنف ضد المرأة في البلدان العربية، إذ جاء مقتل الشابة لبنى منصور في الإمارات على يد زوجها لتمثل أحدث حلقات مسلسل قتل النساء. ويتزامن هذا مع استمرار التحقيقات من قبل الشرطة الفلسطينية في ملابسات مقتل الفتاة رنين سلعوس من نابلس، حيث ترددت الأنباء بأن مقتلها جاء لرفضها الزواج من أحد أقاربها. كذلك، جرى اتهام زوج مصري بقتل زوجته الإعلامية شيماء جمال في مزرعة خارج القاهرة بعد 20 يوما من اختفائها.
“تطبيع مع العنف ضد المرأة”
بدورها، ترى عزة سليمان، المحامية ورئيسة أمناء مؤسسة “قضايا المرأة المصرية”، أن هناك إحساسا “باستباحة البنات داخل المجتمع” في ظل غياب القوانين الرادعة لمحاربة ظاهرة العنف ضد المراة. وفي مقابلة صحافية، قالت إن “فكرة استباحة المرأة والهجوم والعنف ضدها تبدو كبيرة. لا يوجد قانون لمناهضة العنف ضد المرأة. فكرة الاستباحة تعد بمثابة تيار سائد، وهناك حالة تطبيع مع العنف ضد المرأة”.
وتتفق في هذا الرأي غادة سابا، المخرجة الأردنية والناشطة الحقوقية، التي شددت على خطورة تزايد مثل هذه الجرائم في البلدان العربية. وقالت إن هذه الجرائم تعود إلى “فكرة الاستهانة والاستقواء على المرأة، وسهولة ارتكاب جرائم ضد النساء. وهذا يرجع إلى عوامل عديدة منها طريقة التفكير والخلفية الثقافية التي تقول إن الرجل دائما على حق”. وأضافت بأن “ظاهرة الاستقواء على المرأة واضحة ومخيفة من طرف الرجل، الذي هو الآخر وقع أيضا ضحية لمجتمع يرسخ في عقله بأنه لا يرفض وأن كل فتاة تتمناه”.
غضب على منصات التواصل الاجتماعي
وعقب وقوع جريمة قتل نيرة أشرف في محافظة الدقهلية، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي حالة من الغضب والاستنكار تزايدت حدتها مع مقتل إيمان أرشيد ولبنى منصور وحنين سلعوس.
كما تصدرت العديد من الوسوم الخاصة بأسماء الضحايا للمطالبة بتحقيق العدالة في جرائم مقتلهن مثل #حق_نيرة_أشرف. وتفاعل كثيرون مع وسم #أوقفوا_قتل_النساء، على منصات التواصل الاجتماعي حيث نددت كثيرات باستمرار جرائم العنف ضد المرأة. لدرجة أن الأمر وصل إلى قتل فتيات بسبب رفضهن الارتباط أو الزواج وقولهن “لا”.
ولم يتوقف الأمر عند مستوى الإدانة والاستنكار. بل دعا مغردون ونشطاء إلى دعم حقوق المرأة وسن قوانين ضد جرائم العنف ضد المرأة وإحداث تغيير كبير في الثقافة الذكورية. مع دعوات لاستمرار كشف الممارسات المناهضة للمرأة في العالم العربي.
ولعبت منصات التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في تسليط الضوء على العنف ضد المرأة. وتشجيع النساء والفتيات على الإبلاغ في حالة تعرضهن للعنف أو للتحرش.
ضرورة التحرك
ويبدو أن شخصيات عديدة في العالم وجهت أصابع الاتهام بشكل ضمني إلى غياب القوانين الرادعة لجرائم العنف ضد المرأة العربية، رغم تشريع دول عدة قوانين مؤيدة لحقوق المرأة.
من جانبها، حذرت المحامية المصرية عزة سليمان من خطورة عدم اتخاذ الحكومات خطوات حاسمة ضد ظاهرة العنف ضد المرأة، بعد هذا الكم الكبير من جرائم طالت الفتيات. وعن ذلك، قالت إن “تأثير جريمة مقتل نيرة سيكون سيئا جدا. لأنه سيكون هناك تزايد في هذه الجرائم إذا لم تطلق الحكومة مساعِ جدية لوقف هذه الجرائم ضد المراة. يمكن إصدار قانون يكافح هذه النوعية من الجرائم”.
كما أكدت الناشطة الحقوقية الأردنية غادة سابا، على ضرورة تصنيف مثل الجرائم باعتبارها “جرائم عنف”. وشمول التشريعات القانونية لجرائم العنف ضد المرأة بشكل واضح. وأضافت بأنه “يجب منع تكرار مثل هذه الجرائم ومنع نسيانها. ويجب عدم القبول بأي نوع من التهاون في تحقيق القصاص ضد الجناة”.
“عنف مجتمعي عام”
وأصدرت الأمم المتحدة بيانات العام الماضي ذكرت فيها أن نسبة 37 بالمائة من النساء في البلدان العربية تعرضن لشكل من أشكال العنف سواء الجسدي أو الجنسي.
وأرجعت الدكتورة هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع في جامعة بنها المصرية، وقوع جريمة مقتل نيرة الطالبة إلى “عوامل نفسية غير سوية”. فيما قد يكون الموروث الثقافي الذكوري لعب دورا. وقالت إن “الجاني رأى أنه لا يمكن أن يُرفض ويجب أن يكون موضع إعجاب. هذا تصوري لحالته بناء على المعلومات المتاحة. يدل الموقف بشكل عام على عدم انضباط نفسي، فالشاب لم يتخذ قرار قتل (نيرة) انتقاما بسبب شعوره بالغيرة أو حتى بسبب الإثارة والغريزة”.
وأضافت أن “الجاني رأى أن الفتاة عبارة عن لعبة يجب أن يمتلكها”. مشيرة إلى أن جريمة مقتل نيرة تأتي في إطار “عنف مجتمعي عام” يعاني المجتمع بشكل عام.
كما أوضحت بأننا “تعودنا على مظاهر العنف ومظاهر الدمار، بالإضافة إلى تأجيج العنف من خلال المسلسلات والأفلام والدراما والأغاني… كل شيء حولنا بات يتسم بالعنف حتى الخطاب الديني أصبح خطابا عنيفا”.
وأيا كانت الأسباب وراء مقتل فتاة المنصورة. فإن ما يساور الطالبة بسمة التي تدرس في نفس جامعتها، هو شعورها بغياب الأمان. معبرة عن بالغ قلقها إزاء تكرار مثل هذه الجريمة المروعة. وختمت حديثها بالقول “بالتأكيد ستكون هناك تداعيات. وقد نرى المنظر ذاته يتكرر، كل بنت ستمشي بجانب الحيط خوفا من أنها قد تُقتل مثل نيرة”.