مختبر محاكاة رحلة الطيران يقدم تجربة واقعية في أجواء آمنة ودون مخاطر (الجزيرة)
الدوحة– عملية التدريب بالممارسة من خلال محاكاة الأدوار والقرارات الواقعية هي منهجية حققت نجاحات كبيرة وملموسة في مختلف المجالات وعبر مجموعة متنوعة من احتياجات التعلم حول العالم، وهو ما يجسده مركز قطر للتكنولوجيا المساعدة “مدى” على أرض الواقع من خلال مختبر محاكاة رحلة الطيران لذوي اضطراب طيف التوحد.
مختبر “محاكاة رحلة الطيران” هو منشأة استثنائية فريدة من نوعها، تم تطويرها كمشروع بحثي من خلال برنامج “مدى” للابتكار، وبالتعاون مع كل من الخطوط الجوية القطرية وشركة كرياتريا، ويتيح للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد وذويهم تجربة الطيران قبل الشروع في رحلاتهم الجوية الحقيقية.
المشروع البحثي الذي بدأ العمل فيه عام 2019، يقوم على تصميم وتطوير مقصورة واقعية لداخل الطائرة تعتمد على الواقع الافتراضي والمعزز معا، من أجل أن يتمكن المصابون باضطراب طيف التوحد وذووهم من محاكاة تجربة عملية للرحلة على الخطوط الجوية القطرية.
وتحاكي التجربة رحلة طيران كاملة، بدءا من تعليمات السلامة عند الإقلاع والتفاعل مع المحيط والالتزام بتعليمات طاقم الطائرة أثناء الرحلة افتراضيا وانتهاء بعملية الهبوط، وهو ما سيعود بالنفع على الخاضعين لهذه الممارسة الغنية دون مخاطر وذلك عند اتخاذ قراراتهم المستقبلية في هذا الشأن.
مركز مدى يعمل على تعريب وتوطين حلول التكنولوجيا (الجزيرة)
تجربة واقعية
وتوضح الرئيسة التنفيذية لمركز “مدى” مها المنصوري أن مختبر محاكاة رحلة الطيران يتيح خوض تجربة مصممة لتخفيف التوتر والقلق الذي يصيب الأهالي والأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد عند السفر جوا، معتبرة أن عملية المحاكاة تفاعلية قائمة على البحوث وتهدف إلى تعزيز مشاركة أصحاب اضطراب طيف التوحد وإحداث تحول في طريقة تعليمهم وردود أفعالهم، فضلا عن تهيئة بيئات تفاعلية مفعمة بالنشاط تشبه البيئات الواقعية بحيث يتم التعلم فيها من خلال الاستكشاف والاكتشاف.
وتقول المنصوري للجزيرة نت إن مختبر محاكاة رحلة الطيران هو أحد مشاريع برنامج “مدى” للابتكار الذي يستقطب مختلف الشركاء والمخترعين القادرين على الابتكار في مختلف المجالات، وذلك من أجل المشاركة بتطبيقاتهم وأفكارهم في العمل على تقديم الحلول والأفكار لتلبية الاحتياجات الخاصة للأشخاص ذوي الإعاقة.
وتشدد على أن “مدى” يعمل مع مختلف الشركاء والمبتكرين لتطوير نظام بيئي داعم لابتكار حلول تكنولوجية باللغة العربية لتعزيز النفاذ الرقمي للأشخاص ذوي الإعاقة والمتقدمين في السن.
مختبر محاكاة رحلة الطيران هو تجربة واقعية للأطفال والأشخاص الذين يعانون من اضطراب التوحد، وتسبب رحلات الطيران مضايقات لهم ولذويهم، لذلك تكون هذه الممارسة تجهيزا للأهل حتى يتعرفوا على ردود أفعال ذويهم قبل خوض التجربة الحقيقية، وكذلك تدريب للمصابين لمعرفة الأشياء التي قد يتعرضون لها، وفقا للمنصوري.
مختبر محاكاة رحلة الطيران منصة لخدمة ذوي اضطراب طيف التوحد (الجزيرة)
ردود إيجابية
وأطلق مختبر محاكاة رحلة الطيران قبل أيام قليلة من جانب مركز قطر للتكنولوجيا المساعدة “مدى”، وتم تجربته على أرض الواقع من جانب عائلتين ممن لديهم أطفال وأشخاص يعانون من اضطراب طيف التوحد حتى الآن، وما زال المشروع قيد البحث ومفتوحا لتجربته من كافة الحالات التي تعاني اضطراب طيف التوحد دون استثناء.
ردود فعل من خاض تجربة محاكاة رحلة الطيران كانت إيجابية للغاية، خاصة أن هذه الممارسة التي جرت في أجواء آمنة ودون مخاطر تذكر كانت غنية بتوفير الكثير من الخبرات للأهالي وكذلك لذويهم من المصابين في نفس الوقت.
في المقابل، تركزت الملاحظات على هذه التجربة في نقطتين أساسيتين، الأولى هي أهمية تنفيذ هذه التجربة في أماكن خدمة الأشخاص من ذوي التوحد، والثانية في أهمية أن تحظى التجربة بنوع من الحركة خلال الممارسة كما يحدث في رحلات الطيران العادية.
وتعتبر المنصوري أن مختبر محاكاة رحلة الطيران هو أول مختبر من نوعه يقدم هذه الممارسة والخبرات، إلا أنها شددت على أن الهدف أو الحلم من هذا المشروع البحثي الذي ما زال في طوره التجريبي، هو أن تكون هناك محاكاة أكبر في مواقع مفتوحة.
وقالت “سنعمل على تطوير المشروع خلال الفترة المقبلة حسب الملاحظات والتعليقات التي تصل ممن خاضوا التجربة، وذلك حتى الوصول إلى المنتج النهائي الناضج، والذي يمكن للشركة المطورة أن تبيعه لمختلف الجهات في العالم مثل كل مشاريع برنامج “مدى” للابتكار”.
ويعمل مركز قطر للتكنولوجيا المساعدة “مدى” الذي تأسس عام 2010، على تعريب وتوطين حلول التكنولوجيا المساعدة والنفاذ الرقمي من خلال تقديم الخبرات والدعم المالي، حيث تبنى حتى الآن 47 ابتكارا باستثمار قدر بـ7 ملايين ريال قطري (نحو 1.9 مليون دولار)، وذلك بالتعاون مع 29 من الشركات الناشئة ورواد الأعمال والمبتكرين المستفيدين.
حيدري يؤكد أن المختبر سيتم تطويره بصورة كبيرة مستقبلا (الجزيرة)
حاجة المجتمع
بدوره، يوضح المهندس أكرم حيدري الرئيس التنفيذي لشركة كرياتريا أن فكرة مختبر محاكاة رحلة الطيران جاءت من حاجة المجتمع القطري والعربي لمثل هذا الحل لخدمة ذوي التوحد، والذين تزداد نسبتهم في المنطقة العربية بصورة كبيرة.
ويقول حيدري في تصريح للجزيرة نت، إن المختبر سيتم تطويره بصورة كبيرة خلال الفترة المقبلة، حيث سيكون منصة خاصة تخدم الأشخاص المصابين باضطراب طيف التوحد ويتم تطبيقه في مختلف مواقفهم الحياتية سواء في المراكز التجارية أو القطارات أو المترو وغيرها من الأماكن العامة التي تشكل تحديا لهم.
ويضيف أن مختبر محاكاة رحلة الطيران يتميز عن البرامج الممثلة في مختلف دول العالم، باعتماده على محتوى مستوحى من الثقافة العربية وناطق باللغة العربية، وهو ما يعطيه أفضلية خاصة في ظل زيادة نسبة اضطراب التوحد بين الأطفال في منطقة الشرق الأوسط.
منتجات برنامج “مدى” للابتكار تقوم على تلبية احتياجات السوق المحلية والعربية، حيث إن هذه المنتجات تكون متاحة لدى الشركات المتعاونة، كما يفرض مركز قطر للتكنولوجيا المساعدة “مدى” على هذه الشركات أن تكون ابتكاراتها باللغة العربية ومناسبة للبيئة والثقافة العربية.
وحصلت دولة قطر على المرتبة الأولى عالميا في مؤشر تقييم حقوق النفاذ الرقمي لعام 2020 (DARE INDEX) الصادر عن المبادرة العالمية لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات الشاملة (G3ict)، وهو مؤشر يقيس مدى تقدم الدولة في إتاحة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للجميع بما في ذلك الأشخاص ذوو الإعاقة تنفيذا لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
المصدر : الجزيرة