تشهد الولايات المتحدة الأميركية تحولات جذرية في استراتيجيتها الطاقية، بعدما كانت تعتمد لعدة عقود على واردات النفط من منطقة الشرق الأوسط، لتتحول اليوم إلى أكبر منتج عالمي للنفط ومصدر صافٍ، بفضل ثورة النفط الصخري التي أعادت رسم خريطة أسواق الطاقة العالمية.
لطالما شكلت أزمة الطاقة في السبعينيات محطة فارقة دفعت واشنطن إلى مراجعة خياراتها الاستراتيجية في مجال الطاقة. ففي تلك الحقبة، كان أمن الإمدادات مرتبطًا بشكل مباشر بالاستقرار في منطقة الخليج العربي، ما جعل الولايات المتحدة تبني تحالفات طويلة الأمد مع الدول المنتجة هناك.
غير أن المشهد تغير جذريًا خلال العقدين الأخيرين. فمع انطلاق ثورة النفط الصخري، تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق اكتفاء شبه ذاتي، واحتلت صدارة الدول المنتجة للنفط في العالم، ما مكنها من تقليص اعتمادها على الواردات الخارجية، خصوصًا من الشرق الأوسط. وباتت زيادة معدلات الإنتاج الداخلي وسيلة فعالة لامتصاص الصدمات الناتجة عن التوترات الجيوسياسية، سواء في الشرق الأوسط أو مناطق أخرى.
وبحسب مختصين أميركيين وغربيين تحدثوا إلى شبكة CNBC عربية، فإن هذا التحول لم يقتصر فقط على المعطيات الإنتاجية والمالية، بل طال كذلك التوازنات السياسية. فقد أصبحت واشنطن تملك مرونة أكبر في التعامل مع أزمات الطاقة، غير أن ذلك لم يلغِ الأهمية الاستراتيجية للعلاقات مع دول الخليج العربي، التي تبقى أساسية لضمان استقرار الأسواق العالمية وتوازن الأسعار.
وفي خضم السباق الرئاسي الأميركي، تكتسب عودة دونالد ترامب زخمًا متزايدًا، وسط وعوده المتكررة بدعم صناعة النفط والحفر بشكل أوسع. وهو ما يرى فيه محللون إمكانية لإعادة تشكيل ديناميكيات أسواق الطاقة مجددًا، سواء عبر تعزيز الإنتاج الداخلي أو عبر تعديل السياسات الخارجية الأميركية تجاه كبار المنتجين في الخليج.
ورغم الطفرة التي تحققها الولايات المتحدة بفضل النفط الصخري، فإن المصالح المشتركة مع دول الخليج ما زالت تفرض استمرار التعاون والتنسيق، خصوصًا في ظل بيئة دولية متقلبة وأسواق طاقة عرضة لتقلبات حادة بفعل الأزمات الجيوسياسية.
التحول الأميركي في أمن الطاقة يعكس إذن توازناً جديدًا بين الاكتفاء الذاتي والانخراط في الحفاظ على استقرار النظام الطاقي العالمي، في معادلة معقدة تجمع بين اعتبارات الاقتصاد والسياسة والاستراتيجية في آن واحد.