رغم ما تشهده بداية موسم صيف 2025 من زخم غير مسبوق في حركة السياحة الداخلية، فإن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هو: هل تمكنت المدن غير الساحلية من الاستفادة فعلياً من هذه الدينامية؟ لقد أظهرت المؤشرات الأولية انتعاشاً في القطاعات المرتبطة بالسفر والترفيه، إلا أن هذا الانتعاش بقي إلى حد كبير متركزاً في المدن الكبرى والمناطق الساحلية، في حين ما تزال المناطق الداخلية تكافح من أجل الحصول على حصتها العادلة من الكعكة السياحية.
المدن الكبرى مثل الدار البيضاء ومراكش وفاس ووجهات الساحل الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، عززت مكانتها كوجهات مفضلة لدى السائح المحلي بفضل البنية التحتية المتقدمة، وتوفر وسائل النقل، والخدمات الفندقية والمطاعم، إلى جانب الحملات الترويجية المستهدفة. في المقابل، ظلت مدن الداخل مثل الراشيدية، تازة، خنيفرة، وزاكورة تعاني من ضعف الترويج السياحي، وغياب الاستثمارات الكافية في البنية التحتية، ما جعلها خارج خارطة السياحة الصيفية إلا في حالات استثنائية محدودة.
هذا التفاوت يعكس إشكالية هيكلية تتعلق بتوزيع الاستثمارات والموارد، ويفرض على صناع القرار مراجعة الاستراتيجية السياحية الوطنية لضمان توزيع أكثر عدلاً للعائدات والمنافع. فالمناطق الداخلية تزخر بمؤهلات طبيعية وثقافية قادرة على استقطاب فئات متنوعة من السياح، من عشاق السياحة الجبلية والواحات إلى المهتمين بالتراث غير المادي والتجارب الأصيلة. إلا أن غياب الربط الجيد بوسائل النقل، وندرة مؤسسات الإيواء السياحي، إضافة إلى نقص الكفاءات المحلية، تشكل عوائق حقيقية أمام تحول هذه المؤهلات إلى فرص اقتصادية فعلية.
ومن منظور تنموي، فإن تعزيز السياحة الداخلية في هذه المناطق لا يرتبط فقط بزيادة عدد الزوار، بل بإعادة توزيع النشاط الاقتصادي وخلق فرص عمل في بيئات غالباً ما تعاني من الهشاشة وقلة الموارد. كما أن تفعيل برامج السياحة البديلة والإيكولوجية يمكن أن يلعب دوراً محورياً في إدماج المناطق الداخلية ضمن الدورة السياحية، شرط وجود إرادة سياسية واضحة واستراتيجيات جهوية مرنة تستند إلى خصوصيات كل منطقة.
يبقى نجاح موسم صيف 2025 رهيناً بقدرته على تحقيق تنمية سياحية شاملة لا تقتصر على المدن الكبرى والمناطق الساحلية، بل تمتد لتشمل ربوع الوطن كافة. فالسياحة، في جوهرها، ليست مجرد حركة وانتقال، بل فرصة لإعادة التوازن التنموي وتعزيز العدالة المجالية.