الحدث بريس : الصادق عمري علوي.
ياتي هذا المقال تنويرا للرأي العام لتوضيح امور لاعلاقة لها بمنطوق بلاغ رئيس الجهة ، بل لتنبيه أعضاء المجلس اولا ، والساكنة ثانيا بجهة درعة تافيلالت الى ان المهنية تقتضي احترام قواعد واسس كتابة وتحرير البلاغات الموجهة للرأي العام من موقع قوته الاعتبارية اجتماعيا ، وخطورة تلقيه للمعلومة التضليلية والتوهيمية .
ففي بلاغ ، مختوم من طرف مجلس الجهة وبتأشير من رئيس الجهة ، من خارج البلد ، وفي سابقة من نوعها يختلط فيها الحابل بالنابل ، حيث يبدو افق التفكير كالحا ، لايظهر من خلاله اي مؤشر يدل على مهنية حصيفة ،رشيدة في مخاطبة الرأي العام ، واستعلاء ينم حقد دفين .
لقد لفت انتباهي وأنا اقرأ بلاغ رئيس الجهة – ردا على مقال صفقات التمور – أمر اقحام شعبان في رمضان ،اذ مادخل مفاوضات الرئيس التي اعتبرها (ناجحة ) مع مجموعة من رجال الاعمال الصينيين الذين قرروا -حسب زعمه -التوجه لجهة درعة تافيلالت لبحث فرص الاستثمار في مجموعة من القطاعات الحيوية بالجهة ، بمنطوق البلاغ الموجه للراي العام .
ان الاحترافية والمهنية في اسلوب الكتابة والتحرير ، تقتضي التركيز على الموضوع الاساسي ، وليس الخروج تذييلا عن سياق نص الخطاب ومضمونه.
وهنا يحق لنا ان نتسائل بموضوعية تامة ما معنى تذييل الخطاب الموجه للعموم بملحوظة لاتتلاءم البتة مع ما سيق البلاغ من اجله ؟ ماذا يعني ذكر لقاء رئيس الجهة برجال الاعمال الصينيين وربطه بما نشر عنه وعن غيره من حقائق صريحة ، صادمة .
والاغرب من ذلك ذكر عبارة ” مايمكر المرجفون من بني جلدتنا ” التي تدل في سياقها الدلالي على وصف الناشر بأشنع وأبشع النعوت ، والذي يريد الاطلاع عليها وخاصة من اهل الاختصاص اللغوي فلينظر الى تفسيرها طبق ورودها في الاية 60 من سورة الاحزاب ، مع التركيز على الايات السابقة واللاحقة ، و تحديد أسباب النزول ومقاصده …
المهنية لدى السيد الرئيس هي استعمال منهج القياس في غير محله ، ونفي مهنية الطرف الآخر المخالف له في التوجه والرأي.
وهذا لعمري هو الخطل بعينه ، الذي جعل اطروحات بعض التيارات لا تستقيم مع حركية الواقع و المجتمع ، و منطق سير التاريخ ، واطار المعاملات ، فبمجرد اختلافك معه ، يضعك على الفور في خانة المروق والارجاف ، وكانه وصي على البلاد والعباد .
وهنا نتسائل هل قدر لهذه الجهة بعد سنوات من انتظار مشروع الجهوية الطموح ،ان تبقى حبيسة الانتظارية في تنفيذ المشاريع التنموية ، هل قدر لها ان تبقى عرجاء بكماء على الدوام ؟ بسبب تصور سياسوي ، شعبوي ابان عبر العديد من المحطات عن فشله ، وعدم قابليته للتنزيل ، لانه لايلامس الواقع و التطور التاريخي لبلادنا ، بل جاء التفافا ، واستحواذا على المشهد السياسي ليسوقه نحو الحفر ، والتعثرات المهلكة قاريا ودوليا ، ليدخل الجميع في نفق مسدود ، ومصير مبهم غير محدد المعالم .
مبتغاه كوعي ملتبس ان تنتظر جهة درعة تافيلالت بمقدراتها وامكانات المادية والبشرية رجال الاعمال الصينيين لينتشلوها من اوحال التعثر والتخلف التنموي ، انه لأمر يثير الاستغراب حقا نبحث عن مبررات ادراج الصينيين ضمن البلاغ ، فلا نجد الا كلمتين في قاموس الدارجة المغربية هما ” دفع بخ ” والظهور بمظهر المنقد للاقتصاد الجهوي من التهاوي ، وإعطاء الانطباع للرأي العام بان غيره مشوشون و لا يريدونه ان يعمل ويفاوض دوليا لجلب الخير العميم لساكنة الجهة …
ألم يحن الوقت بعد للتراجع عن البلاغات العنترية ، لدغدغة مشاعر ساكنة الجهة بالوعود ، بتكرار نفس الاسطوانة القديمة ، التي تتردد في مناظرات وجلسات الشوباني .
الواقع الكائن يقول للرئيس احترم الرأي العام ، بقدر احترامك لذاتك وللمشتغلين بالمجلس ، لأننا على يقين تام انهم لن يسايروك في بعض ماتطمح اليه تدبيرا وتسييرا ، ولأن التعاطي الديقراطي السليم ،الفعال يقتضي التجاوب مع الاخر، وليس النظر اليه من برج عاجي ، او تحقيره اوتبخيس عمله ، او رفض وجهات نظره .
المهنية لدى الرئيس ان تكمم الأفواه ، وتكسر الاقلام وتتوقف الكتابة ، الا بلاغاته هو وندواته ، ومناظراته واجتماعاته، ومفاوضاته الخارجية والداخلية ،أن يتوقف الآخر عن التفكير، والنقد ، ارضاء لجوده وكرمه المزعوم في جلب المن والسلوى للجهة .
هل يعلم الرئيس انه منذ توليه زمام مجلس جهة درعة تافيلالت وهو يغرد خارج السرب .. ألا يعلم انه يشبه الملحوظة اليتيمة ، التي وطنها نشازا بذيل بلاغه ، وانه حفاظا على ماء الوجه كان عليه من زمان لمهنيته التي تعاكس طموحات وتطلعات سكان الجهة ، ان يريح ، ويستريح من وعثاء السفر والمشاق ، سواء عبر التنقل بين المطارات الدولية ، او عبر السيارات رباعية الدفع للالتقاء بساكنة القرى والبوادي النائية لبث مشاريعه المزعومة وتصوراته الإنشائية الطوباوية .
لذلك اخاطب الرئيس واقول له هون على نفسك ، فللبلاد تاريخها ورجالها ومقدراتها ، وابلغ عنا رجال الاعمال الصينيين اننا لسنا في عجلة من أمرنا لاستقبال فرص الاستثمار الموعودة ولا نرغب في تبديد المزيد من الأموال والوقت لصالح مشاريع قد تاتي أو لا تأتي …
فالشمس تشرق من هنا ، والقمر ينير وكل في فلك يسبحون ، والأمور تسير كما شاء الله لها أن تسير ، و”الإرجاف ” طبع لم يكن ابدا من شيم أبناء هذه المنطقة المخلصون لمقدساتهم ولقيمهم الوطنية السامية عبر التاريخ المجيد ، الذي لم يشجم الرئيس نفسه عناء الاطلاع عليه ، أو ربما يتجاهله جحوذا ، ولذلك ننصح رئيس الجهة باختيار كلماته ، ومصطلحاته عندما يريد مخاطبة الرأي العام ، أما ان يطلق عنان “السب والشتم ” ( المرجفون … ) فهذا يدل على الخلل السايكلوجي و بالبرهان القاطع ثبوت مانسب اليه في المقال المنشور، وبذلك يتعمد تضليل الرأي العام و اجبار الطرف الآخرعلى الصمت الضار بالمجتمع ، و القبول بالأمر الواقع ، والرضوخ لقاموس مستعمل في غير محله ، انتهت صلاحيته ، ولم تعد تذكر في معجم حقوق الانسان ، والمواثيق الدولية المرتبطة به ، لانه غير قابل للصرف و التداول ، كما أن الدستور والقوانين المعمول بها في بلادنا تجرم أوصاف الشتم والسب ، ولست بحاجة الى أن أسوق الآية القرآنية الكريمة التي ورد بها ذكر كلمة “المرجفون” لأنني على يقين أن الرئيس استعملها واقتبسها عامدا متعمدا ، ولذلك يتحمل كامل المسؤولية في توطينها ، ودفعها للتداول الخاطئ .
إذن لنترك الرأي العام الموجه اليه البلاغ ذو الطبيعة الاستعلائية العنجهية ، ليعطي لرئيس الجهة التنقيط الذي يستحقه .
أما بالنسبة لي كقارئ ومتلقي لبلاغه ، لا استطيع أن اجازف بالنقط بشكل عشوائي ، ولذلك قررت أن أعطيه صفر على عشرة لاقحام مالايقحم بالبلاغ ، عبر التلفظ بالسب والشتم ( المرجفون … ) فلكل مقام مقال ،حسب تعبير البلاغيين العرب .